للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما المذهب الثاني فهو الذي يُطْلق على هذه الظاهرة مصطلح " التضمين "، ويرى أن الفعل قد تضمّن معنى فعل آخر، وحرف الجر مَسُوق لإتمام معنى هذا الفعل. والتضمين لغة (١): الإيداع. يقولون: ضمن الشيء الوعاء أي: جعله فيه، وأودعه إياه، وهو اصطلاحاً (٢): إيقاع لفظٍ موقع غيره ومعاملته معاملته، لتضمنه معناه، واشتماله عليه، أو هو إشراب فعلٍ أو مشتقٍ أو مصدرٍ معنى فعل آخر أو مشتق أو مصدر، ليجري مجراه في التعدي والمعنى، مع إرادة معنى المتضمن. والغرض منه إعطاء مجموع المعنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى واحد. ويجري على التضمين بهذه الدلالة كثير من أفعال القرآن الكريم. ومن ذلك قوله تعالى: ((أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)) (٣) فلو بحثنا في المعاجم العربية عن مادة (الرفث) لوجدنا: رفثت بالمرأة، وليس فيها: رفثت إلى المرأة. ولما كان الرفث في معنى الإفضاء، والفعل (أفضى) يتعدى بـ " إلى " جاءت " إلى" إذاناً بأنه في معناه (٤). يقول الدكتور: محمد نديم فاضل (٥): " فتضمين الرفث وهو مقدمات المباشرة أو المباشرة ذاتها معنى الإفضاء، والمتعدي بـ " إلى "، يمنح العلاقة بين الزوجين لمسة إنسانية تترفع بها عن عالم الحيوان، لمسة حانية، فيها من الرفق والنداوة والشفافية مثلما فيها من سمو المشاعر، وتحسر " إلى " هذه عن مسافر وجهها الجميل لتحكي ما اشتملت عليه المشاعر حين جمعت الرفث إلى الإفضاء في ما أحل الله للزوجين في شهر الصيام لتنأى بهما عن عرام الجسد، والحبيس في الرغبات المكبوتة في اللحم والدم بعد أن تستتبع خلفها معنى الستر، يتدثر به كل من الزوجين، وتتصل بأفق أرفع من الأرض وبغاية أسمى من اللذة، ترقُّ وترْقى إلى معارج عليا ....


(١) انظر: اللسان (ضمن)
(٢) الكشاف: ٢/ ٤٨١، شرح المفصل لابن يعيش: ٨/ ١٥، النحو الوافي، المعجم الوسيط.
(٣) سورة البقرة الآية: ١٨٧
(٤) الخصائص: ٢/ ٣٠٨، الأمالي الشجرية: ١/ ١٤٧
(٥) التضمين النحوي في القرآن الكريم: ١/ ٣٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>