للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحَسبُ التضمين أنه جعل في لفظ الرفث نداوة يخضرّ بها، ويرمي ظلاله، ولمسة رفافة تنأى عن عرام الجسد تبتغي الإعفاف والإنجاب، وتوقظ معنى الستر في هذا الحرف " إلى "، فجمع من صنوف البيان ما ذاع صيته على كل لسان.

وانتصر كثيرون لنظرية التضمين في الأفعال لا الحروف، ومنهم ابن العربي الاشبيلي (١)، يقول: " وكذلك عادة العربي أن تحمل معاني الأفعال على الأفعال لما بينهما من الارتباط والاتصال، وجهلت النحوية هذا، فقال كثير منهم: إن حروف الجر يبدل بعضها من بعض، ويحمل بعضها معاني البعض، فخفي عليهم وضْعُ فعلٍ مكان فعل وهو أوسع وأقيس، ولجؤوا بجهلهم إلى الحروف التي يضيق فيها نطاق الكلام والاحتمال ".

وممن قال بالتضمين في الأفعال ابن هشام (٢)، مع أنه خرج كثيراً من الشواهد على طريقة تضمين الحروف، يقول: " قد يشربون لفظاً معنى لفظٍ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك تضميناً، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين نحو قوله تعالى: ((وما يفعلوا من خير فلن يكفروه)) (٣) ضُمِّن معنى تُحرموه فعدّي إلى اثنين ".

وكذلك الحافظ السيوطي (٤) إذ يقول: " إيقاع لفظ موقع غيره لتضمن معناه ".

والدكتور فاضل معنيّ ببيان صحة المذهب الثاني مشغول بهذا البيان شديد الحماسة له، يرفض رفضاً باتاً أيَّ دعوى أو حجة لتضمين الحروف، وكانت اطروحته في تعزيز ما اعتقده، وقد حشد أدلته للوفاء به، وكانت في جزئين: القسم النظري، ثم القسم التطبيقي. وقد أشار إلى خطر اللغة وأهميتها ضمن القضايا الإنسانية الكبرى، وخَلُصَ إلى أنها الكفيلة بإيضاح حقائق القرآن الكريم، والإفصاح عن خفايا التأويل، وإظهار دلائل الإعجاز، وشرح معالم الإيجاز، وعن طريق التضمين في الأفعال تنحلُّ كثيرٌ من العقد يقول (٥): " ترى الحرف مع الفعل فيوحشك الحرف، ويبقى الفعل قلقاً، فإذا حَملته على التضمين تمكّنَ الفعل وآنسك الحرف ".


(١) أحكام القرآن: ١/ ١٧٧
(٢) مغني اللبيب: ٢/ ٧٦٢
(٣) سورة آل عمران: ١١٥
(٤) معترك الأقران: ٣٩٨
(٥) التضمين النحوي: ١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>