للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتضمين عند الباحث (١) مفتاح هذه اللغة الشريفة: وسرٌّ من أسرارها، يفْتَرُّ عن بديعةٍ، ويُفضي إلى لطيفة، وهو من طريف ما استوْدعتْه هذه اللغة، لأنه أذهب في الإيجاز، وأجمع لخصائص الصنعة، وفيه من الإيماء والتلويح ما ليس في المكاشفة والتصريح، وذلك أحلى وأعذب.

والرسالة في الحقيقة مثالٌ حيّ على هذه الحماسة العالية التي كان يُبديها الباحث لموضوعه ورفض أي وجهة يُولّيها غيره وهو لا ينفك عن إيراد الأمثلة وأقوال أهل العلم الذين يذهبون مذهبه، وعن رميْ الوجهة الأخرى بالضعف والفتور.

وهو في سبيل إبطال التضمين في الحروف يلجأ إلى مناقشة مستفيضة لوظيفة كل قسمٍ من أقسام الكلمة الثلاثة: الإسم والفعل والحرف. يقول (٢): " المعنى الإفرادي للإسم والفعل هو في أنفسهما، والمعنى للحرف هو في غيره، فالباء مثلاً لا تدل على معنى حتى تضاف إلى الإسم الذي بعدها، لا أنه يُتحصّل منها منفردةً فلا بيئة للحروف خارج سياقها، والعربي في العصور الأولى إذا تجاوز في استعماله هذه الروابط فإن سبب عدوله من حرف إلى حرف هو السياق إذا، وهو الذي وضع الفعل في معنى معيّن وخصصه به، وعداه بحرف يناسبه، فإبدال حرف مكان حرف، أو قيام حرف مقام حرف، وتضمين الحروف كثير الإيهام ولا حقيقة تحته ".

ويرى الباحث أن النحاة حين يقولون: إن " إلى " بمعنى اللام والباء بمعنى "في "، و"عن" بمعنى " على " ثم يردد المفسرون أو أكثرهم، لم يسألوا عن سبب تناوب هذه الحروف، ولم يتعرضوا للعلّة التي من أجلها جرى التعاور فليس التناوب في الحروف إلا أسلوباً من الهروب في مواجهة المشكلة، وإن الفكر باعتماده على الهوية المجردة للحروف أو الأداة أو اللفظ دون ربطه بالنص وبواقعٌ له زمان ومكان، وبظروفٍ اجتماعية وتاريخيةٍ ونفسيةٍ معنيةٍ ينتهي إلى تأملات مجردة وهذا من مخاطر العقلية المثالية (٣).

ويستعين الباحث بطائفة واسعة من الآيات الكريمة التي تدعمه في إجلاء نظريته، كما يستعين بهذه الأساليب الأدبية العالية التي أوتِيها في التعبير الفني.


(١) التضمين النحوي: ٢٠
(٢) التضمين النحوي: ٦٠
(٣) التضمين النحوي: ٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>