للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي القسم النظري من الرسالة يشير الباحث إلى الغرض من التضمين وفائدته، يقول (١): " فالغرض من التضمين إفراغ اللفظين إفراغاً، حتى كأن أحدهما سبك في الآخر، فالمعنى لا يأتيك مصرحاً بذكره، مكشوفاً عن وجهه، بل مدلولاً عليه بغيره. وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين، فالكلمتان مقصودتان معاً قصداً وتَبَعاً.

وأشار الباحث إلى مسألة: هل التضمين سماعيٌ أو قياسي؟ ويستعرض أقوال العلماء الذين ذهبوا إلى أنه سماعي (٢)، وذكر آخرون أنه قياسي. وقد رجح الباحث هذا المذهب، وأجاز استعماله للعارفين بدقائق العربية وأسراراها، والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج فكيف نسد بابه في اللغة، وهو يرجع إلى أصول ثابتة فيها.

ويتحدث الباحث عن أوجه استعمال التضمين فهو يكون في الأفعال، ومن أمثلته (٣) قوله تعالى: ((قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره)) (٤) فالفعل (يخالفون) يتعدى بنفسه وبـ إلى، وحين عدي " بعن" تضمن معنى صدَّ أو أعرض. وتعبير التسلل يتمثل فيه الجبن عن المواجهة، وحقارة الشعور المرافق له في النفوس. والفعل (خالف) بمعنى (حاد) لتصوير الحالة النفسية للنماذج البشرية حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحذير الرهيب من الله أن تصيبهم فتنة في الدين أو الدنيا، التحذير لا لمن خالف وإنما لمن حاد عنها، والحيدان أدنى درجات المخالفة عن المنهج الرباني. ولم جاء التعبير بالمخالفة؟ الحيدان قد يكون سهواً وغفلة، وأما المخالفة فإنها تصدر عن تصميم وقصد وعدم مبالاةٍ بالأوامر شأن المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يكمن الخطر، تلك الآداب التي تنتظم بين أفراد الجماعة يستقيم أمرها بوقار قائدها وهيبته، وباستقرار هذه المشاعر في أعماق ضميرها تصبح قانوناً نافذاً في حياتها، وإلا أصابتهم فتنة يختلط فيها الحق بالباطل.


(١) التضمين النحوي: ١٠٦
(٢) حاشية ياسين: التلويح على التصريح ١٣٤٤س
(٣) التضمين النحوي: ٣١٨
(٤) سورة النور الآية: ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>