فظاهرة تضافر القرائن لإيضاح المعنى الوظيفي في السياق هو ما ذهب إليه الجرجاني في نظرية النظم وهو ما سماه المحدثون (نظرية السياق) ويعود الفضل في الكشف عن هذه الدلالة لعالمين جليلين: الأول في حقل التحليل هو سيبويه، والآخر في حقل التركيب هو الجرجاني، وللكشف عن هذه الدلالة قد تكثر التأويلات حتى تكاد تنبو عنها الأفهام، وبعضها لا يكاد يظهر وجه الحق فيه إلا بتأويل ظني، فاستترت معانيه عن العلماء، وعندها لا يجوز أن نتمارى في تخصيص تأويل أو تعيينه عند تعارض الاحتمالات (لَن تَرَاني): كيفية الرؤية، تعيين حصولها، متى، وكيف، وهل النفي للتأبيد أو للتوقيت؟ وتعيين المراد بالظن والتخمين خَطِرٌ إذا انتفى الدليل والبرهان، خصوصا حين يرتبط بمعتقدات وعبادات، وُيرخص فيه لغير ذلك من مواعظ وتوجيهات.
إذاً لا بد لفهم المعنى من معرفة الدلالة ولا بد للدلالة من قرائن، وللقرائن أثرها وأهميتها في فهم الدلالة، فعلماء الأصول وقفوا على المعنى وأطلقوا عليه كلمة - حكم - كشأن المناطقة، فهو ليس عرفياً ولا اجتماعياً ولكنه عقلي صِرْف، إلا أن المناطقة نظروا في المطابقة والتضمُّن واللزوم والماجرى والماصدق والمقولة والجنس والكلية والجزئية. وعلماء الأصول وضعوا مفاهيم اقتضاها منهجهم من حيث دلالة الكلمة أو طريقة الحكم.
ودلالة الكلمة قسموها إلى الوضع والاستعمال والوضوح والقصد. واختلف الأحناف عن الشافعية في دلالة القصد. قال الأحناف: دالٌّ بالعبارة أو الإشارة أو الفحوى أو الاقتضاء. وقال الشافعية: دلالة المنطوق ودلالة المفهوم.