فالجرجاني يربط المعنى بطرق الأداء ربطا لا يجوز بعده الحديث عن المعنى، كل على انفراد، فإذا تغيرت صورة التركيب تغير المعنى بمقدار تغير الصورة، فهي لغة تُؤخذ ولا تقاس، وإنَّمَا يُفتش عن صحة استعمالاتها ومواقعها. فإذا قيل: جلس على يميني يعني مُتمكّناً مُستعلياً، وإذا قيل عن يميني يعني منحرفاً متجافيا. وشأن النظم في الكلام كشأن الأصباغ تُحدث ضروباً من الألوان حين يدخل بعضها في بعض.
يقول (مستيه) إن الكلمات يتسع معناها ويضيق بحسب اتساع أُفقها وضيقه وُيصرُّ (اسبيرير) على فكرة المعنى المركزي والسياق ونغمة الإحساس.
أما علاقة الفعل بالحرف فتركيبة قابلة للتكيف. فالعرب حملت الحرف على فعله المتعدي به حَمْل الفرع على الأصل لأن الفعل في الجملة هو الأصل ولأنه أشيع حكما وأسير، فإذا تأملته عرفت منه ومن حرفه المتعدي به عناية العرب بالتجانس، وأنه منها على بال وهذا من قوة نظرهم ولُطف استشفافهم للغتهم وإعطائهم كل موضع من كلامهم حقه عن ميزة وعلى بصيرة. أما من حمل الحروف بعضها على بعض زاعما أنه مرادٌ لها،
فأسْتسْرفه وأتحاماه إذ كيف جاز لهم ذلك ومراتب الحروف متساوية، وليس بعضها أصلاً لبعض؟ فلا تركن إلى زعمهم إلا بعد السَبْر والتأمل، والإمعان والتصفح فإن وجدت حجة مقطوعاً بها صِرت إليها واعتمدتها، وإن تعذّر ذلك عليك جنحت إلى مذهب تعتمده، ومِئَمِ تتورده.
وسترى في الجزء الثاني من هذا الكتاب ما يتصل به ويسافر النظر فيه