بطريقة ما سكت عنها السياق وكشف عنها موقف يوسف عليه السلام (وَإِلَّا تَضرِف عَنِى كيدَهُنَ أَصْبُ إِلَتهنَ) ولم تر باسا من الجهر بنزوتها عندئذ أمامهن (أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) مع الإصرار والإغراء والتهديد بالسجن (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ) فيناجي الفتى ربه (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) جميعا مشتركات (بهمسة أو بلفتة أو بحركة أو .... ) ليقع في حبالهن في لحظة ضعف مع الإغراء المستمر.
ثم إن الآية لم تقف عند لحظة الهبوط في الجنس .. موقف امرأة العزيز ونساء القصر، وتترك اللوحة التصويرية بعيدة عن لحظة الارتقاء مقصورة على لون معين. بل منحتها قبسا يصلها بحقائق الوجود العليا (موقف يوسف عليه السلام)(السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) هذه النظرة الشمولية لها أكبر الأثر في ارتفاع مستوى الفن، وتمنح الموقف الإحاطة بكل جوانب العواطف البشرية لترتقيَ بالفن إلى الشمولية الكونية.
فإلطاف النظر في الفعل يبعث على الكشف عن أسراره مما لا سبيل للطاعن فيه. فأبه لهذه الحروف تبلُغْ منها حاجتك ولا تسلُكْ سبيل مَن أعتمت عليه فرمتْه إلى التعاور والتناوب.