للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الطبري: ومعنى العدول من لام التعليل إلى (مِنْ) أن السائل كأنه يقول: من أين جئتم؟ فيقولون: ما لكم وهذا السؤال ولكن قولوا لأي أمر جئتم. من كل أمر: أي من أجل كل مهم.

أقول: الحذاق من أهل الصنعة يرفضون التضمين في الحرف - وانتهى القائلون به إلى أن (مِنْ) تضمَّن معنى الباء أو اللام يعني: السبب أو العلة أو الملابسة وكل هذا تفسير لمعنى الحرف لا أكثر. ويبقى السياق مبهوتا بلا لحظ. أما التضمين في الفعل فيعطي معنى في الملفوظ ومعنى في الملحوظ الُمقدر. ويبقى الحرف على أصله لا شأن له إلا في توجيه فعله.

ليلة القدر

وإحياءً لذكرى ما اشتملت عليه هذه الليلة في نزول أعظم كتاب على خير الخلق وأشرف الرسل، حضنا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على إحيائها في كل عام، فهي وسيلة من وسائل التربية لاستحياء هذه المشاعر الموصولة بهذا الحدث الضخم، والذي أفاض النور على الوجود نور الوحي. ونور الملائكة، ونور آيات اللَّه تتنزل بها الملائكة الكرام تستأذن في النزول لتشارك في حفل تكريم

المُنزل والمُنزل عليه، متدرجين فوجاً إثر فوج بين الأرض والملأ الأعلى إلى مطلع الفجر. وقيام هذه الليلة تثبيت لهذه المعاني في نفوس المؤمنين. ولا يُضيء مشاعل هذا المهرجان الكوني العظيم ولا يُحيي معانيه إلا القيام، فابتذالك جوارحك كلها في إعزازه فذاك غاية إكرامك له، وتناهيك في الحفل به لإحياء قلبك، لأن إدراك هذه المعاني ذهنيا لا يكفي في تحريك القلوب وإحياء المشاعر.

سلام هي حتى مطلع الفجر ... سلام في الضمير، وسلام في البيت، وسلام في المجتمع، وسلام في العالم أجمع. فإذا غاب السلام انطمست الفرحة، وأنطفا النور، وحل الظلام، واندلعت النيران.

<<  <  ج: ص:  >  >>