وقال البروسوي: أمرناه بأن يحسن بوالديه فحذف الفعل واقتصر على المصدر.
وقال الآلوسي: وقيل منصوب (إحسانا) مفعول مطلق على تضمين وصينا معنى أحسنا أي أحسنا بالوصية للإنسان بوالديه إحسانا. وقيل: صفة لمصدر محذوف بتقدير مضاف أي إيصاءً ذا إحسانِ. وقيل: مفعول لأجله: أي وصيناه بهما لإحساننا إليهما. يعلق (بوالديه) بوصيا ولا يتعلق بـ (إحسانا) لأن أحسن لا يتعدى بالباء وإنَّمَا ب (إلى).
أقول: الوصاة لغةً العهد. وعهد اللهِ هنا هو الإحسان بوالديه اعترافا لهما بالجميل وردًّا لبعض معروفهما وبذلك يتحرر من الأنا، من الذات، من الشهوات. ويرتفع إلى مستوى إنساني كريم، مستوى الإحسان.
الوصية هنا صادرة من خالق الإنسان وموجهة للإنسان بصرف النظر عن عقيدته وعرقه وجنسه ولونه و ... تضمنت (الوصاة) هنا معنى (السؤال) بمعنى الطلب والمتعدي لمفعولين أولهما الإنسان وثانيهما الإحسان يسأل اللَّه الأبناء أن يكونوا في مستوى الإحسان، ودرجة الحسن هذه (بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) فوق درجة الإسلام والإيمان، فإذا نزل عن هذا المستوى السامق: مستوى سؤاله الإحسان بوالديه إلى الجبلة الطينية لتتضمن الوصاة معنى (الإلزام والأمر) كما جاء عند كثير من المفسرين فقد أخلد إلى الأرض. وفي تعليق شبه الجملة (بوالديه) بـ وصينا، يجعل معنى الإحسان في منظور ضيق وينطفئ نور المادة اللغوية للإحسان لتصبح حروفا جافة تنتهي إلى حطب يابس، لا ظل ولا ثمر ولا عطر ولا زهر.