للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصوت المنقطع ونفثة الصدر السريعة، يفيد خضوع الجارحة الموقوت، وخشوعها المنفعل بإثارةٍ تزول بزوال المؤثر، فقد يتوب العبد إلى ربه ثم يعود إلى ما كان عليه مرة ومرة ومرة. وهذه الذبذبة تتفق مع سياق الآية السابقة لها واللاحقة بها، فمن لحظ هذه اللطائف بقلبه وقدّر هذا النظم البديع بلبِّه، أبصر بعين اليقين أنه تنزيل من حكيم حميد. كيف يقول الفراء: معنى إلى ربهم ولربهم واحد، والسياق بين الآيتين مختلف؟ واللَّه العليم الخبير بخصائص هذه الحروف جعل لكل سياق حرفاً يُنبه إلى ما استودعه من أسرار فيه. فمعاني الحروف تنكشف لمن أَمَّها، وتهيأ لها ونشَّم فيها، فمن طبِن لها أمطته كاهلها وأسلست له غاربها، ومن خبطها وتورطها، أوعرت به سُبُلها.

وإذا كان للسياق دوره في تحديد مدلول الأداة ومعناها الوظيفي فهو - أي السياق - ينهض بتفسير هذه المداليل المتعددة. (فيرث) وهو زعيم نظرية السياق، يؤكد الوظيفة الاجتماعية للغة، ومعنى (الأداة) عند أصحاب هذه النظرية هو في استعمالها أو في الدور الذي تؤديه في الجملة فمعناها لا ينكشف إلا من خلال تسييقها أي وضعها في سياقاتها المختلفة مع عناصر أخرى تتعلق بالمقام كما قلت.

فدراسة الأداة يتطلب تحليلا لهذه السياقات: السياق اللغوي، والعاطفي، والثقافي، والاجتماعي، وسياق المواقف أو بعبارة أخرى: توزعها اللغوي، فمعناها مستفاد من تركيبها لا من نفسها منفردة: والسياق على هذا التفسير يشمل الكلمة والجملة وما قبلها من الجمل وما بعدها.

أقول: -

* (أو) في قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) إنما هي للإباحة في أحد الشيئين فلو انتهيت عن طاعتهما معا لكنت مصيبا. فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>