جرت (أو) هنا مجرى الواو لأن النهي إذا دخل في الإباحة استوعب ما كان مباحا باتفاق، وإذا دخل في التخيير ففيه خلاف، ذهب السيرافي إلى أنه يستوعب الجميع كالنهي عن المباح، وذهب ابن كيسان إلى جواز النهي عن كل واحد وجوازه أن يكون عن الجميع، إن قلت للمسافر: صل أربعا أو ثنتين، فالركعتان واجبتان وترك الباقيتين بقصد الترخص. هنا لا تكون (أو) بمعنى الواو لمطلق الجمع كما سبق فالفرق بين التخيير والإباحة هو: جواز الجمع في الإباحة ومنع الجمع في التخيير. وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس (أو) بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى (أو).
* و (الباء): في قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) إن دخلت على فعل يتعدى بنفسه أفادت التبعيض خلافاً للأحناف، وإن دخلت على فعل لا يتعدى بنفسه أفادت الإلصاق: إلصاق الفعل بمفعوله: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فأنت لا تقول طفت البيت وإنما بالبيت ولا يسمى من دار ببعض الكعبة طائفا أما من مسح بعض رأسه فيسمى ماسحاً. فهذا ونحوه موضع متناهٍ آخذ بغاية الصنعة من مستخرجه، يُرجى التنبه لأمثاله، وإمعان الفحص عما هذه حاله. فإذاً على دارس كتاب الله، الكاشف عن
أسراره، النظر في الحروف ومحلها وسياقاتها، فإن الرجل يقرأ الآية من كتاب اللَّه فيعيا بوجهها فيهلِك فيها. فقول الحوفي: إن الباء في قوله سبحانه: (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) متعلقة بـ ناظرة، هو باطل لأن الاستفهام له الصدارة والباء متعلقة بما بعدها أي بـ يرجع.
ومن قال في قوله سبحانه:(فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا). (عليه) إغراء نقول: إغراء الغائب ضعيف. فالدلالة على المعنى