وأفضلها وأكرمها، وعلى آله المطهرين، وأصحابه المتخيرين، وسلم عليه وعليهم إلى يوم الدين.
وبعد فإني لما رأيت كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف قدمه، وليس لديه من أدوات الطالب إلا مداده وقلمه، يحسبون من دفع إلى النظر في كثير من تلك الأعمال في هذا الأوان مبتدعا لا متبعا ومتوغلا في خطة دنيّة، ليس عاملا في عمالة سنية، استخرت الله عز وجل أن أجمع ما تأدى إليّ علمه من تلك العمالات في كتاب يضم نشرها، ويبين لجاهليها أمرها، فيعترف الجاهل، وينصف المتحامل، فألفت هذا الكتاب وسميته: تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية.
وذكرت في كل عمالة منها من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها من الصحابة ليعلم ذلك من يليها الآن، فيشكر الله عز وجل على أن استعمله في عمل شرعي كان يتولاه صاحب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأقامه في ذلك مقامه، ويجتهد في إقامة الحق فيه، بما يوجبه الشرع ويقتضيه، فيكون قد أحيا سنة، وأحرز حسنة. وإني لأرجو بما تحملته من التعب في جمع هذا التأليف، حتى أثبتّ لجميع ما تضمنه من الحرف والصنايع والعمالات التنويه والتشريف، بالنسبة الشرعية، والتنزيه عن الظنّة السيئة البدعية، اغتناما للأجر الجزيل عند الله عز وجل بفضله ورحمته في الأخرى، واجتناء الشكر الجميل وبقاء الذكر الطويل من أربابه في الدنيا إن شاء الله تعالى. وضمنته فوائد في شرح جملة من الألفاظ اللغوية الواردة فيها، وضبطت ما أشكل منها، وعرفت بالمواضع التي نقلت منها جميع ما اشتمل عليه من كتب العلماء رحمهم الله تعالى ليقف عليها هنا لك من تطمح نفسه لذلك، فأبرأ من عهدة النقل، وأسلم من تبعة النقد. وكنت أشتغل باقتناص شوارده من مكامنها، والتقاط فوائده من أماكنها، أيام عزلتي عن العمل، وعطلتي عن الشّغل. فما زلت أؤلف وأصنف، وأبوب وأرتب، وأصحح وأنقح، حتى طلع