ومن «الأحكام السلطانية»(١٩٩) للماوردي: اختلف الناس في السبب الذي حمل عمر رضي الله تعالى عنه على ذلك، فقال قوم: إنه بعث بعثا وعنده الهرمزان، فقال لعمر: هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال فإن تخلّف منهم رجل أخلّ بمكانه، من أين يعلم به؟ فأثبت لهم ديوانا، فسأله عمر عن الديوان حتى فسّره له.
وقال آخرون: سببه أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قدم عليه بمال من البحرين، فقال عمر: ماذا جئت به؟ فقال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر وقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف خمس مرات، فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس، قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه لكم كيلا، وإن شئتم عددناه لكم عدّا، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا لهم، فدوّن أنت ديوانا، فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه المسلمين في تدوين الدواوين، فقال عليّ رضي الله تعالى عنه: تقسم كلّ سنة ما اجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئا، وقال عثمان رضي الله تعالى عنه:
أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر. فقال خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه: قد كنت بالشام فرأيت ملوكا دونوا دواوين وجنّدوا أجنادا، فدوّن ديوانا وجنّد جنودا، فأخذ بقوله، ودعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم، وكانوا من شباب قريش فقال: اكتبوا الناس على منازلهم.
فائدة لغوية:
في «الصحاح»(٣: ١٠٩٧) الفرض: العطية المرسومة، يقال: ما أصبت منه فرضا ولا قرضا. وأفرضته: إذا أعطيته، وفرضت له في العطاء، وفرضت له في الديوان.