الجلاب وغيرهم جملا، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطّعا مثل اللحم والأدم والفواكه، فقيل: إنهم كالجلاب لا يسعّر عليهم شيء من بياعاتهم، وإنما يقال لمن شذّ منهم وخرج عن الجمهور: إما أن تبيع كما يبيع الناس وإما أن ترفع من السوق، وهو قول مالك في رواية عنه. وممن روي ذلك عنه من السلف عبد الله بن عمر والقاسم بن سلام وسالم بن عبد الله. وقيل إنهم في هذا بخلاف الجلّاب لا يتركون على البيع باختيارهم إذا أغلوا على الناس ولم يقنعوا من الربح بما يشبه، وأن على صاحب السوق الموكّل على مصلحتها أن يعرف ما يشترونه فيجعل لهم من الربح ما يشبه وينهاهم أن يزيدوا على ذلك، ويتفقد السوق أبدا فيمنعهم من الزيادة على الربح الذي جعل لهم كيفما تقلّب السعر من زيادة أو نقصان، فمن خالف أمره عاقبه بما يراه من الأدب وبالإخراج من السوق إن كان معتادا لذلك مستسرا به، وهو قول مالك في الرواية الأخرى عنه «١» ، وإليه ذهب ابن حبيب، وقاله من السلف جماعة منهم سعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد، وهو مذهب الليث بن سعد وربيعة بن أبي عبد الرّحمن.
ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقول لهم: لا تبيعوا إلا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به، ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه لا تبيعوه إلا بكذا وكذا مما هو مثل الثمن الذي اشتروه به أو أقل، وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترى مثل أن يقول لهم: تربحون في المدي كذا وكذا فلا يتركهم أن يغلوا في الشراء وإن لم يزيدوا في الربح، إذ قد يفعلون ذلك ويتساهلون فيه، إذ لا ينقصهم بذلك ربحهم شيء، وإذا علم ذلك منهم ضرب لهم الربح على ما يعلم من مبلغ السعر، وقال لهم: لا سبيل لكم أن تبيعوا بكذا وكذا فلا تشتروا إلا على هذا. انتهى.