فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفّني ... وأكرم زوجي أن تنال مراكبه
فلما كان من الغد استدعى عمر تلك المرأة فقال: أين زوجك؟ قالت: بعثت به إلى العراق، فاستدعى بنساء وسألهن عن المرأة مقدار ما تصبر عن زوجها، فقلن: شهرين ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر، وتفقد صبرها في أربعة أشهر، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر استردّ الغازين ووجّه بقوم آخرين.
ومن أخباره أيضا في ذلك ما ذكره الثعلبي عن عبد الرّحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما، قال: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالمدينة، إذ شبّ لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى؟ قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال: ولا تجسسوا، فقد تجّسسنا، فانصرف وتركهم.
ومن أخباره أيضا «١» في ذلك خبره الذي ذكره الخطابي في «الغريب»(٢: ٢٠) والبكري في «المعجم»(٨٣٠) والنصّ للخطابي: عن أسلم مولى عمر رضي الله تعالى عنه، قال: خرجت معه حتى إذا كنا ب «حرّة واقم» فإذا نار تؤرّث بصرار، فخرجنا حتى إذا أتينا صرارا، فقال عمر: السلام عليكم يا أهل الضوء- وكره أن يقول يا أهل النار- أدنو، فقيل: ادن بخير أودع، قال: وإذا هم ركب قد قصّر بهم الليل والبرد والجوع، وإذا امرأة وصبيان، فنكص عمر على عقبيه وأدبر يهرول حتى أتى دار الدقيق، فاستخرج عدلا من الدقيق، وجعل كبّة من شحم، ثم حمله حتى أتاهم، فقال للمرأة: ذري وأنا أحرّ لك. انتهى.
وقد ذكرت القصة في باب خازن الزرع في هذا الكتاب منقولة من تاريخ ابن الأثير بأتمّ من هذا وأعدتها الآن تكملة لمعنى الباب.
(١) رواية أسلم هذه في تاريخ الطبري ١: ٢٧٤٣ وسيرة عمر لابن الجوزي: ٤٨ ولقاح الخواطر: ٥٦/ أوالمنهج المسلوك: ١٣/ أوالتذكرة الحمدونية ١: ١٤١ وشرح النهج ١٢: ٤٧- ٤٩.