فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا. فلما رأى ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا. ودعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فنزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ فدعي يومئذ زيد بن حارثة.
وعن الزهري قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه؛ قال عبد الرزاق: ما أعلم أحدا ذكره غير الزهري؛ قال أبو عمر رحمه الله تعالى: وقد روي عن الزهري من وجوه أن أول من أسلم خديجة.
وشهد زيد بن حارثة بدرا، وزوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مولاته: أم أيمن فولدت له أسامة بن زيد، وبه كان يكنى، وكان يقال لزيد بن حارثة: حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: إن أحبّ الناس إليّ من أنعم الله عليه وأنعمت عليه، يعني زيد بن حارثة، أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتق.
وقتل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه بمؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة وهو كان الأمير على تلك الغزوة؛ وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فإن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. فقتلوا ثلاثتهم في تلك الغزوة.
ولما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعي جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة بكى وقال: أخواي ومؤنساي ومحدثاي. انتهى.
وقال ابن قتيبة في «المعارف»(١٤٤) كان زيد ممن أمّره رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الجيش يوم مؤتة فاستشهد، وكان يوم مؤتة سنة ثمان، وقتل وهو ابن خمس وخمسين سنة. انتهى.