ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء.
(٧٤) وعن جارية بن مضرّب عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أراد أن يقسم السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا، فوجد الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين، فشاور في ذلك، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما: دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم.
(٧٥) وعن عبد الله بن أبي قيس أو عبد الله بن قيس قال: قدم عمر الجابية، فأراد أن يقسم الأرض بين المسلمين، فقال معاذ: والله إذا ليكوننّ ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في يدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم يسدّون من الإسلام مسدّا، وهم لا يجدون شيئا، فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم، فصار عمر إلى قول معاذ رضي الله تعالى عنهما.
قال أبو عبيد: فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين:
أما الأول منهما: فحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خيبر: وذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها وقسمها وبهذا الرأي أشار بلال على عمر في بلاد الشام، وأشار به الزبير بن العوام على عمرو بن العاص في أرض مصر، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس.
وأما الحكم الآخر: فحكم عمر رضي الله تعالى عنه في السواد وغيره، وذلك أنه جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا، ولم يخمسه ولم يقسمه، وهو الرأي الذي أشار به علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما، وبهذا كان يأخذ سفيان وهو معروف من قوله.
قال أبو عبيد (٧٦) وليس فعل النبي صلّى الله عليه وسلم برادّ لفعل عمر، ولكنه صلّى الله عليه وسلم اتبع آية من كتاب الله فعمل بها، واتبع عمر آية فعمل بها، وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمين من أموال المشركين فيصير غنيمة،