للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال لى شيخنا قاضى القضاة بدر الدّين [محمد] بن جماعة الكنانىّ رحمه الله تعالى:

دخلت عليه منزله بقوص فرأيت عليه قميص برد ثوب جندىّ، فسأله شخص عن ذلك فقال: دخل علىّ/ فلان ورأيت عليه ثوبا خلقا، عورته تبدو منه، فقلعت ثوبى أعطيته، وجعلت علىّ ملحفة، فدخل فلان صاحبنا الجندىّ، وأعطانى هذا الثوب فلبسته.

وحكى عنه تلميذه الإمام العلّامة بهاء الدّين (١) هبة الله القفطىّ أنّه كان فى سنة قد حصل فيها غلاء كبير، حتّى إنّ أكثر النّاس لا يجدون إلّا بعض البقول يقتات به قال: فسأل شيخنا مجد الدّين عن حال النّاس، فذكروا له أنّهم يقتاتون ببعض البقول فالتزم أنّه لا يأكل إلّا ممّا يأكل النّاس، وما زال يأكل منه حتّى ظهر الخبز فى السّوق، قال: وقال لى: يا بهاء الدّين رفعت عنّى شهوة المأكل فلا أبالى ما أكلت، وشهوة الملبس فلا أبالى ما لبست، وشهوة الجاه.

وكان رحمه الله كثير الشّفقة على خلق الله [تعالى]، حكى أصحابنا أنّه كان عنده شخص يشفق عليه، فقال له بعض أصحابه: يا سيّدى هذا فيه قلّة دين- لينقصه عنده- فقال الشّيخ: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم، كنّا نشفق عليه من جهة الدّنيا، صرنا نشفق عليه من جهة الدّين.

وكان رحمه الله يسعى لطلبته على قدر استحقاقهم، فمن يصلح للحكم سعى له فيه، ومن يصلح للتّعديل سعى له فيه، ومن لم يصلح [لهما] سعى له فى إمامة أو فى شغل، وإلّا أخذ له على السّهمين راتبا، حتّى جاءه بعض النّاس وشكا له ضرورة، قال له:

اكتب قصة للقاضى فأنا أتحدث معه، فكتب: «المملوك فلان يقبّل الأرض،


(١) هو هبة الله بن عبد الله، وستأتى ترجمته فى الطالع.

<<  <  ج: ص:  >  >>