وأخبرنا شيخنا تاج الدّين أبو الفتح محمد بن أحمد الدّشناوىّ قال: ورد إلى قوص ناظر الدّيوان السّلطانىّ، فكان الشّيخ مجد الدّين يتردّد إليه فى حوائج النّاس، فقال له مرّة: أشتهى أن انظر ابنك تقىّ الدّين، فأراد مرّة التوجّه إليه، فقال لابنه:
يا محمد هذا الرّجل تكرّر طلبه لك، امش معى فمشى ومشيت معهما، فدخلنا على النّاظر فسرّ بالشّيخ تقىّ الدّين، وكان يوما شاتيا شديد البرد، وكان أوّل النّهار، قال: فنحن فى الحديث والمقدّم دخل عليه، وقال عن بعض أصحاب المكوس إنّه ما يعطى شيئا، فقال النّاظر: خلّوا الوالى يضربه ويستخرج مال المقطعين، فبكى الشّيخ مجد الدّين وباس ركبة النّاظر وقال: بالله لا تضربوه فى مثل هذا الوقت البارد، فقال النّاظر:
لا تودّوه للوالى.
وحكى لى تقىّ الدّين عبد الملك (١) الأرمنتىّ أنّ شيخه مجد الدّين مرّ، وتقىّ الدّين عبد الملك هذا معه، فرأى كلبة قد ولدت وماتت فقال: يا تقىّ هات هذه السجّادة، فحمل الجراء وجعلها فى مكان قريب، ورتّب لها لبنا يسقيها حتّى كبرت.
وأخبرنى تقىّ الدّين أيضا أنّ الشّيخ خرج يوما وقال: يا تقىّ [الدّين] تعرف بيت المستوفى؟ وكان بقوص نصرانىّ مستوف له صورة وجاه، قال: فقلت: يا سيّدى أنت تريد تمشى إلى بيت نصرانىّ، أنا أروح أحضره إليك فقال: لا، فمشيت معه إلى بيت المستوفى، فطرقت الباب فخرجت جارية، فقلت لها: قولى إنّ الشّيخ المدرّس على الباب، فدخلت وإذا بالمستوفى قد خرج حافيا وقال: يا سيّدى كنت ترسل خلفى، فقال: جئتك فى حاجة، هذا فلان الشّنهورىّ عليه راتب فى الزّرع، وهو فقير وقد عجز عنه، فقال: يا سيّدى أمحو اسمه منه، وفعل ذلك.
(١) هو عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك، انظر ترجمته ص ٣٣٩.