التقىّ ذاتا ونعتا، والسّالك الطريق التى لا عوج فيها ولا أمتا، والمحرز من صفات الفضل فنونا مختلفة وأنواعا شتّى، والمتحلّى بالحالتين الحسنيين صمتا وسمتا، الشّيخ الإمام علّامة العلماء الأعلام، وراوية فنون الجاهليّة وعلوم الإسلام، ذو العلوم الشرعيّة، [والفضائل العقليّة]، والفنون الأدبيّة، والمعارف الصوفيّة، والباع الواسع فى استنباط المسائل، والأجوبة الشافية لكلّ سائل، والاعتراضات الصحيحة التى يجعلها الباحث لتقرير الإشكالات وسائل، والخطب الصّادعة الفصيحة البليغة التى تستفاد منها الرّسائل، إن عرضت الشّبهات أذهب جوهر ذهنه ما عرض، أو اعترضت المشكلات أصاب شاكلتها بسهم فهمه فأصاب الغرض، إن خطب أسهب فى البلاغة، وأطنب فى البراعة، أو كتب فوحى الكلام ينزل على اليراعة، فلّله درّه إذ ارتفع بنفسه وإن كان له من أبويه ما يقتضى الارتفاع، [و] علا على أبناء جنسه فكان من رفعة المنزلة فى المكان اليفاع، إن ذكر التّفسير فمحمد فيه محمود المذهب، أو الحديث فالقشيرىّ فيه صاحب الرقم المعلم والطّراز المذهب، أو الفقه فأبو الفتح العزيز الإمام الذى إليه الاجتهاد ينسب، أو الأصول فأين ابن الخطيب من الخطيب؟، وهل يقرن المخطئ بالمصيب؟، أو الآداب فإن اقتصرت قلت نابغة زمانه وإن اختصرت قلت حبيب، لم يشغله عن النّظر فى العلوم كثرة المناصب، ولا ألهاه علوّ المراتب، ولا صرفه عن التصرّف فيه لذّة المطاعم وعذوبة المشارب، طال ما لازم السّهر حتّى أسفر وجه الإصباح، مشتغلا بالذّكر والفكر لا بذوات الألفاظ الفصاح والوجوه الصّباح:
وتبدى له الدّنيا من الحسن جملة … يهيم بها النّسّاك لو شاهدوا البعضا
فيعرض عنها لاهيا عن جمالها … ويوسعها بعدا ويرفضها رفضا
ويسهر فى ذكر وفكر وفى علا … ومن بات صبّا بالعلا جانب الغمضا