للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمّ دخلت وجعلت الورقة فى الدّواة، وظننت أنّه ما رآنى وقمت، فقال:

اجلس ما فى هذه الورقة؟ فقلت: يقرؤها سيّدنا، فقال: اقرأها أنت، فكرّرت عليه وهو يردّ علىّ، فقرأتها فقال: ما حملك على هذا؟ فحكيت له فقال: وقف عليها أحد؟

فقلت: لا، فقال: قطّعها.

وحكى [لى] أيضا قال: ولّى الشّيخ السّفطىّ (١) بلبيس، وولّانى [بعد ذلك] البهنسا، وقال: يا فقيه أنا أولّى الرجل الصغير العمل الكبير، وأولّى الرجل الكبير العمل الصغير، فقلت: إن كان سيّدنا يتصرّف لنفسه فيعمل ما يشاء، وإن كان يتصرّف للمسلمين فما يخفى ما فى هذا.

وحكاياته فى ذلك كثيرة.

وله نثر أحسن من الدّرر، ونظم أبهج من عقود الجوهر، ولو لم يكن له إلّا ما تضمّنته خطبة شرح «الإلمام» (٢) لشهد له من الأدب بأوفر الأقسام، وقوله فيها:

«الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبعد: فإنّ الفقه فى الدّين منزلة لا يخفى شرفها وعلاها، ولا يحتجب عن العقول طوالعها وأضواها، وأرفعها بعد فهم كتاب الله المنزل، البحث عن معانى حديث نبيّه المرسل، إذ بذلك تثبت القواعد ويستقرّ الأساس، وعنه يقوم الإجماع ويصدر القياس، وما تقدّم شرعا تعيّن تقديمه شروعا، وما كان محمولا على الرأس لا يحسن أن يجعل موضوعا، لكن شرط ذلك عندنا أن يحفظ هذا النظام، ويجعل الرأى هو المأموم والنصّ هو الإمام، وتردّ المذاهب إليه، وتضمّ الآراء المنتشرة حتّى تقف بين يديه، وأمّا أن يجعل الفرع أصلا يردّ النصّ إليه بالتكلّف والتحيّل، ويحمل على أبعد المحامل بلطافة الوهم وسعة التخيّل، ويرتكب فى تقرير الآراء


(١) هو إسماعيل بن موسى بن عبد الخالق، انظر ترجمته ص ١٦٧.
(٢) انظر: كشف الظنون/ ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>