للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصّعب والذّلول، ويحمل على التأويلات ما تنفر منه النّفوس وتستنكره (١) العقول، فذلك عندنا من أردى المذاهب وأسوأ طريقة، ولا يعتقد أنّه تحصل/ معه النّصيحة للدّين على الحقيقة، وكيف يقع أمر مع رجحان منافيه؟ وأنّى يصحّ الوزن بميزان مال أحد الجانبين فيه؟ ومتى ينصف حاكم ملكته عصبيّة العصبيّة؟ وأين يقع الحقّ من خاطر أخذته العزّة بالحميّة؟ وإنّما يحكم بالعدل عند تعادل الطرفين، ويظهر الجور عند تقابل المنحرفين.

«هذا ولمّا برز ما أبرزته من كتاب «الإلمام» وكان وضعه مقتضيا للاتساع ومقصوده موجبا لامتداد الباع، عدل قوم عن استحسان إطابته، إلى استخشان إطابته، ونظروا إلى المعنى الحامل عليه فلم يقضوا بمناسبته ولا إخالته، فأخذت فى الإعراض عنهم بالرأى الأحزم، وقلت عند [سماع] قولهم: شنشنة أعرفها من أخزم (٢)، ولم يكن ذلك مانعا [لى] من وصل ماضيه بالمستقبل، ولا موجبا لأن أقطع ما أمر الله به أن يوصل:

فما الكرج الدّنيا ولا النّاس قاسم (٣)»


(١) هنا ينتهى الخرم السابق فى النسخة ز.
(٢) من أمثال العرب، قال ابن الكلبى: إنه لأبى أخزم الطائى، قال ابن برى: كان أخزم عاقا لأبيه، فمات وترك بنين عقوا جدهم، وضربوه وأدموه، فقال هذا الشعر:
إن بنى زملونى بالدم … شنشنة أعرفها من أخزم
من يلق آساد الرجال يكلم
والشنشنة: الطبيعة والعادة، يعنى أن هؤلاء أشبهوا أباهم فى العقوق، وروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لابن عباس حين شاوره فأعجبه كلامه: «شنشنة أعرفها من أخزم»، وذلك أنه لم يكن لقرشى مثل رأى العباس بن عبد المطلب، فشبهه عمر بأبيه فى جودة الرأى؛ انظر: مجمع الأمثال ١/ ٣١٨، واللسان ١٣/ ٢٤٣.
(٣) الكرج- بفتح أوله وثانيه- مدينة بين همذان وأصبهان، وهى إلى همذان أقرب، وأول من مصرها أبو دلف القاسم بن عيسى العجلى وجعلها وطنه، وإليها قصده الشعراء وذكروها فى أشعارهم، ودخل أبو دلف مرة على المأمون فقال له: أنت الذى يقول فيه على بن جبلة:
إنما الدنيا أبو دلف … بين مبداه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف … ولت الدنيا على أثره
-

<<  <  ج: ص:  >  >>