للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«أفترى ذلك سدى؟، أم وضح أن نحن المقرّبون وهم البعداء؟، وهذه والله أحوال لا تؤخذ من باب السّلم والإجارة والجنايات، نعم كلّها تنال بالخضوع والخشوع، وبأن نظمأ ونجوع، وتحمى عينيك الهجوع، ومما يعينك على هذا الأمر الذى [قد] دعوتك إليه، وتزوّدك فى سفرك للعرض عليه، أن تجعل لك وقتا تعمره بالتذكّر والتفكّر، وأياما تجعلها [لك] معدّة لجلاء قلبك، فإنّه متى استحكم صداه صعب تلافيه، وأعرض عنه من هو أعلم بما فيه، فاجعل أكبر همّك الاستعداد للمعاد، والتأهب لجواب الملك الجواد؛ فإنّه يقول «فو ربّك لنسألنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون»، ومهما وجدت من همّتك قصورا، واستشعرت من نفسك عمّا بدا لها نفورا،/ فاجأر إليه وقف ببابه؛ فإنّه لا يعرض عمّن صدق، ولا يعزب عن علمه خفاء الضمائر؛ ألا يعلم من خلق؟

«وهذه نصيحتى إليك، وحجّتى بين يدى الله- إن فرّطت- عليك، أسأل الله لى ولك قلبا واعيا، ولسانا ذاكرا، ونفسا مطمئنّة بمنّه وكرمه».

توفّى يوم الجمعة حادى عشر صفر عام اثنين وسبعمائة، ودفن يوم السبت بسفح المقطم، وكان ذلك يوما مشهودا، عزيزا مثله فى الوجود، سارع النّاس إليه، ووقف جيش ينتظر الصلاة عليه، رحمه الله تعالى، وهو ممّن تألّمت على فوات رؤيته، والتملّى بفوائده وبركته، لكنّى انتفعت بالنّظر فى كتبه فى الصّغر، واستفدت منها فى الكبر، وعلّقت من تصانيفه مباحث جليلة، وقيّدت من تآليفه جملا جميلة، جمع الله الشمل بينى وبينه فى دار كرامته، ومتّعنى بمشاهدته ورؤيته فى جنّته.

ورثاه جماعة من الفضلاء والأدباء بالقاهرة وقوص، منهم شعيب ابن أبى شعيب، والأمير مجير الدّين بن اللمطىّ (١)، وشرف الدّين النّصيبينىّ (٢).


(١) هو عمر بن عيسى بن نصر، انظر ترجمته ص ٤٤٨.
(٢) هو محمد بن محمد بن عيسى، وستأتى ترجمته فى الطالع.

<<  <  ج: ص:  >  >>