بحجزه من النّار، فإنّى أخاف أن يتردّى فيها، فيجرّ من ولّاه- والعياذ بالله- معه، والمقتضى لإصدارها ما لمحناه من الغفلة المستجكمة على القلوب، ومن تقاعد الهمم عن القيام بما يجب للربّ على المربوب، ومن أنسهم بهذه الدّرر وهم عنها يزعجون، وعلمهم بما بين أيديهم من عقبة كئود وهم منها لا يتخلصون،/ ولا سيّما القضاة الذين تحمّلوا الأمانة على كواهل ضعيفة، وظهروا بصور كبار وهمم نحيفة، ووالله إنّ الأمر لعظيم، وإنّ الخطب لجسيم، ولا أرى مع ذلك أمنا ولا قرارا ولا راحة، اللهمّ إلّا رجلا نبذ الآخرة وراه، واتّخذ إلهه هواه، وقصر همّه وهمّته على حظّ نفسه ودنياه، فغاية مطلبه حبّ الجاه، والمنزلة فى قلوب النّاس، وتحسين الزّى والملبس، والركبة والمجلس، غير مستشعر خسّة حاله، ولا ركاكة مقصده، فهذا لا كلام معه، فإنّك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من فى القبور، فاتّق الله الذى يراك حين تقوم، واقصر أملك عليه فإنّ المحروم من فضله غير مرحوم، وما أنا وأنتم أيّها النّفر إلّا كما قال حبيب العجمىّ، وقد قال له قائل:
يا ليتنا لم نخلق، قال: قد وقعتم فاحتالوا.
«فإن خفى عليك بعد هذا الخطر، وشغلتك الدّنيا أن تقضى من معرفتها الوطر، فتأمّل كلام النبوّة: القضاة ثلاثة، وقول النبىّ صلّى الله عليه وسلّم لبعض أصحابه مشفقا عليه: «لا تأمّرنّ على اثنين ولا تلينّ مال يتيم»، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم، هيهات جفّ القلم، ونفذ أمر الله فلا رادّ لما حكم، ومن هنالك شمّ النّاس من فم الصدّيق رائحة الكبد المشويّة، وقال الفاروق: ليت أمّ عمر لم تلده، واستسلم عثمان وقال: من أغمد سيفه فهو حرّ، وقال علىّ، والخزائن مملوءة بين يديه:
من يشترى منّى سيفى [هذا]؟ ولو وجدت ما أشترى به رداء ما بعته، وقطع الخوف نياط قلب عمر بن عبد العزيز فمات من خشية العرض، وعلّق بعض السّلف فى بيته سوطا يؤدّب به نفسه إذا فتر.