وناولته له فأخذه، وكان والدى يطوف بين المغرب والعشاء، فناوله المنديل والكتاب، ورجع فصلّى الصّبح بدمامين مع الجماعة، فلمّا رجع والدى أحضر المنديل … !!
قلت: ولا شكّ فى وقوع مثل ذلك عقلا، ولا ورد من الشّرع ما يمنع الوقوع، ولكن اطّردت العادة المستمرّة، والقاعدة المستقرّة، بعدم وقوع ذلك، والعوائد يقضى بها فى حكم الشّرع باتّفاق أئمة الاجتهاد، وبنوا عليها أحكاما كثيرة، وجعلوها ضابطا يرجع إليه، وحاكما يعوّل عليه، حتّى قال بعض الفقهاء: إذا قال [الرجل] لزوجته: إن طرت أو صعدت السّماء فأنت طالق، طلّقت فى الحال، لاستحالته عادة، ولا يتوقف على وجود المشروط، بل يحكم بالوقوع فى الحال، وكذا لو تزوّج امرأة بالمغرب وهو بالمشرق، وأتت بولد، لا يلحق به عند جماهير [العلماء و] الفقهاء، وإن كان النّسب يلحق بالإمكان، والشّرع متشوف إلى الإلحاق، ولا فرق بين من هو من أهل الكرامات أولا، وألحقوا النّسب بالاحتمالات المرجوحة الضعيفة، وكذلك قال أرباب الأصول: إنّه يقطع بكذب الخبر، إذا أثبته واحد، بعد أن دوّنت الكتب وفتّش فيها فلم يوجد، ومع جواز ذلك كلّه شرعا وعقلا، فقطعوا بالكذب مع الاحتمال العقلىّ وعدم المانع الشّرعىّ، وقد قال الإمام ابن الخطيب فى «المحصّل (١)»:
«إنّ من الجائز العقلىّ ما يقطع بعدم وقوعه، فإنّا نجوّز عقلا أنّ الله يخلق جبلا وبحرا من زئبق، ومع هذا فنقطع بعدم الوقوع».
(١) هو: «محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين» لابن خطيب الرى الإمام العلامة الأصولى المفسر المتكلم أبو عبد الله وأبو المعالى محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين القرشى الطبرستانى الأصل، الرازى المولد، فخر الدين التيمى البكرى الشافعى صاحب التفسير الكبير «مفاتيح الغيب» والمولود سنة ٥٤٣ هـ، وقيل ٥٤٤ هـ، والمتوفى بهراة سنة ٦٠٦ هـ، وقد ذكر «المحصل» حاجى خليفة؛ انظر: كشف الظنون/ ١٦١٤، وفهرس الدار القديم ٦/ ١٠٥، ومعجم سركيس/ ٩١٥.