للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد حكى صاحب «المحيط (١)» من الحنفيّة، و [كذا] صاحب «الذّخيرة (٢)» أنّه لو قال رجل: إنّه كان يوم التّروية (٣) بالبصرة، وإنّه وجد ذلك اليوم بمكة، إنّ هذا القائل يكفر عند محمد بن يوسف «أبى حنيفة» الأصغر، وقال شمس (٤) الأئمة: لا يكفر بل يجهّل، وقال أصحابنا: لو قال لعبده إن لم أحجّ فى هذا العام فأنت حرّ، وتنازعا، وأقام العبد بيّنته أنّه كان يوم النّحر بالبصرة مثلا، عتق العبد، وقال بعض أصحابنا: إنّه لو علّق الطّلاق بإحياء الموتى، وقع الطّلاق فى الحال، وإن لم يوقعه فى مسئلة التّعليق بالصّعود، وكلّ ذلك أنّ الأمور البعيدة لها حكم المعلوم، فكلّما كان أبعد وقوعا، كان أبعد قبولا، وأيضا فإنّ الله تعالى قال: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»، وسبحان تقع عند أهل العربيّة للتعجّب، وصيغة التعجّب الواردة فى القرآن، يقصد بها المخاطبون، بمعنى أنّه أمر يتعجّب منه،/ فأمر يتعجّب منه بالنّسبة إلى الرّسول الكريم، صاحب الآيات الباهرة، والمعجزات الظّاهرة [صلّى الله عليه وسلّم] لا نثبته بخبر واحد، تروج عليه القضايا، فذلك عندى من الرّزايا، لا سيّما من امرأة لا تدرى أنسيت أم حفظت، أو توهّمت أو اختلقت.

والأمور البعيدة فى العادة، يتعجّب من وقوعها، ويتوقّف فى قبولها إلّا إذا علم صدق المخبر (٥)، كما فى القصص المذكورة بعد، وفى قصة زكريّا عليه السلام،


(١) انظر: كشف الظنون/ ١٦١٩ و ١٦٢٠، وفهرس الدار القديم ٣/ ١٢٥.
(٢) هى: «ذخيرة الفتاوى» أو «الذخيرة البرهانية» للامام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز المتوفى سنة ٦١٦ هـ، اختصرها من كتابه المشهور بالمحيط البرهانى، انظر: كشف الظنون/ ٨٢٣، وفهرس الدار القديم ٣/ ٥١.
(٣) يوم التروية: هو اليوم الثامن من ذى الحجة، سمى بذلك لأن الحجاج يرتوون فيه من الماء وفى حديث ابن عمر: «وكان يلبى بالحج يوم التروية»؛ انظر: النهاية ٢/ ١١٣، واللسان ١٤/ ٣٤٧
(٤) هو الإمام الكبير أبو بكر محمد بن أحمد ابن أبى سهل السرخسى الفقيه الحنفى صاحب «المبسوط» وأحد الفحول والمتوفى سنة ٤٨٣ هـ، وقيل فى حدود التسعين وأربعمائة.
(٥) فى ا و د: «صدق الخبر».

<<  <  ج: ص:  >  >>