وأمثاله ممّا لا نمنعه، وحاصل الأمر: إن كان ما يقع مخالفا للعادة، وهو قريب محتمل، احتمل قبوله، فإلقاء القيود للصلاة قريب، وأمّا نبع الماء-[فيتخرّج] على ما إذا وقع معجزة/ لنبىّ- هل يقبل؟ والأستاذ أبو إسحاق منعه، وأمّا المكاشفات فلا نمنع قبولها؛ فإنّه أمر يقع فى القلب ويقوى، فيخبر به الولىّ، عملا بالعادة التى أجراها الله له، أنّه إذا وقع فى قلبه شئ، وقوى وصمّم عليه يقع، فهذا حكم بالعادة، وقد ثبت عند أهل السّنّة أنواع منه، وقال صلّى الله عليه وسلّم:«كان فى بنى إسرائيل مكلّمون»، الحديث.
فالمكاشفات لا يمنع من وقوع شئ منها، إلّا ما كان بعيدا منها فى العادة، لا يعهد إلّا للأنبياء، ولكنّا لا نثبت الكرامة باشتهارها واستفاضتها عند الفقراء، فإنّ الكذب فيها كثير، وكثير منهم جاهل بشروط صحّة النّقل وتحرير الأمر، وكثير منهم مغفّل، يروى ما يسمعه ويحسن الظنّ بناقله، وقال الإمام الحافظ يحيى بن سعيد القطّان:«إذا رأيت فى السّند رجلا صالحا، فانفض يدك منه، فإنّى لم أر أكذب من الصالحين فى الحديث»، ثمّ إنّ أكثرها مرسلة، وبعضها يبنى على التوهّم، فإذا سلمت من ذلك، ورواها لنا عدل متيقظ ضابط، يروى عن مشاهدة أو عن خبر من يقبل ممّن وصفته، ويسند ذلك إلى مشاهدة الناقل، قبلنا ذلك كما يقبل سائر الأخبار بالشّرط المتقدم، وهو ألّا يكون بعيدا فى العادة، أو وقع هو أو مثله معجزة، كما قال الأستاذ ومن يقول بقوله، وقد قال إمام الحرمين فى «الشّامل (١)»:
إنّه يمنع إثبات بعض ما يجوز عقلا كرامة، ونقله عن القاضى وصحّحه، وقد
(١) هو: «الشامل» فى أصول الدين لإمام الحرمين أبى المعالى ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف الجوينى- نسبة إلى جوين بالتصغير إحدى نواحى نيسابور- شيخ الغزالى المولود فى الثامن عشر من المحرم سنة ٤١٩ هـ، والمتوفى ليلة الأربعاء- وقت العشاء الآخرة- الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة ٤٧٨ هـ، وكتابه «الشامل» ذكره حاجى خليفة؛ انظر: كشف الظنون/ ١٠٢٤.