للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام -وتبع السلطان محمود بن سبكتكين- وهو الحاكم على خراسان، خطوة الخليفة، فسعى في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم، ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر، وأبعد جميع طوائف أهل البدع، ونفاهم عن ديارهم.

ولم يكتف الخليفة على ما فعل من استتابة المعتزلة وطرد زعماء أهل البدع، فجمع كتابا في مظاهرة أهل السنة، فيه الرد على أهل البدع وتفسيق من قال بخلق القرآن، وأمر بجمع العلماء والأعيان من كل الفرق، وقرئ عليهم الكتاب، وأخذت عهودهم ومواثيقهم بالموافقة عليه.

ثم تقدم الخليفة خطوة أخرى فعزل خطباء الشيعة وولى خطباء السنة وعلى تشجيع من الخليفة اضطهد السلطان محمود بناحية من الري بطائفة من الباطنية، وأحل بهم قتلا ذريعا وصلبا شنيعا.

وهكذا تمتع أهل السنة بنوع من حماية الدولة وأفادوا منها وانتفعوا بها في تنكيل معارضيهم، ولكن لم تدم هذه الحماية، ودالت الدولة عليهم فمات الخليفة المنتصر لهم، وزالت دولة بني سبكتكين، واستولى آل سلجوق على الملك في خراسان، ووجدت أهل التشيع والرفض والاعتزال الفرصة فانتصروا من أهل السنة، وكالوا لهم الكيل، وأشعلوا بمساعدة الحكام نيرانا للفتن اصطلى فيها البيهقي نفسه مع غيره من العلماء فعُذّبوا، وطُردوا من ديارهم، وسُجنوا ونُهبت بيوتهم، وأُبعدوا عن الوظائف ولا سيما الخطابة، وأُحل غيرهم محلهم.

حدث ذلك في سنة خمس وأربعين وأربعمائة وكان طغرلبك سلطان الوقت وكان رجلاً سنيا حنفيا. والأحناف كانوا معروفين بلين الجانب مع المعتزلة بخاصة (١) فانتهز هؤلاء الفرصة وتقربوا إلى وزيره عميد الملك أبي نصر محمد بن نصر الكندري الذي يقول عنه السبكي (٢) الذي ذكر هذه الفتنة بإسهاب -إنه كان معتزليا، رافضيا،


(١) انظر "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" (ص ٢٤٢).
(٢) "طبقات الشافعية" (٢/ ٢٧٠) وانظر فيه خبر هذه الفتنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>