قلت: لم يدرجه عبد الرزاق، وإنما كان إدراجًا لو لم يقل "قال صاحب له". وهذا وهم منه فالحافظ يتكلم عن حديث معمر عن حديث ابن جريج. وحديث معمر أخرجه النسائي في "فضائل القرآن" (٩٥ رقم ٧٧) فقال: أخبرنا أبو صالح المكي، قال حدثنا عبد الرزاق، قال حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به". (١) أخرجه البخاري في التوحيد (٨/ ٢١٤) ومسلم في صلاة المسافرين (١/ ٥٤٥ رقم ٢٣٣). وأخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص ٣٢) وأبو داود في الصلاة (٢/ ١٥٧ رقم ١٤٧٣) والنسائي في "الافتتاح" (٢/ ١٨٠) والمؤلف في "سننه" (٢/ ٥٤، ١٠/ ٢٢٩) من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة به. وأخرجه أحمد في "مسنده" (٢/ ٤٥٠) والدارمي في الصلاة (ص ٣٤٩) وفي فضائل القرآن (ص ٨٦٩) والبغوي في "شرح السنة" (٤/ ٤٨٤ رقم ١٢١٧) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بلفظ: "ما أذن الله عز وجلّ لشيء كاذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به". وجاء تفسير التغني بالاستغناء رواه البخاري عن سفيان بن عيينة وذكر الحافظ ابن حجر أن المراد بالاستغناء نوع خاص منه وهو الاستغناء به عن أخبار الأمم الماضية، رليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر. وقال ابن الجوزي: اختلفوا في معنى قوله "يتغنى" على أربعة أقوال: أحدها: تحسين الصوت. والثاني: الاستغناء. والثالث: التحزن، قاله الشافعي. والرابع: التشاغل به. تقول العرب: تغنى بالمكان، أقام به. قال الحافظ ابن حجر- بعد ما نقل قول ابن الجوزي-: وفيه قول أخر حكاه ابن الأنباري في "الزاهر" قال: المراد به التلذذ والاستحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء، فاطلق عليه تغنيًّا من حيث إنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء. وفيه قول أخر حسن: وهو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء. قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى، وإذا جلست في أفنيتها وفي أكثر أحوالها. فلما نزل القرآن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني. فمعنى الحديث الحث على ملازمة القرآن، وأن لا يتعدى إلى غيره. انتهى كلام الحافظ بتلخيص. وانظر "فتح الباري" (٩/ ٦٨ - ٧٢).