للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} فأبان جل ثناؤه أنه أنزله على وصف مباين لأوصاف كلام البشر لأنه منظوم وليس بمنثور ونظمه ليس نظم (١) الرسائل ولا نظم الخطب ولا نظم الأشعار ولا هو كأسجاع الكهان وأعلمه أن أحدا لا يستطيع يأتي بمثله ثم أمره أن يتحداهم على الإتيان بمثله إن ادعوا أنهم يقدرون عليه (٢) أو ظنوه فقال لَعالى (٣): {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ثم نقصهم تسعا فقال (٤): {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} فكان (٥) ما يقصه من الأمر غير أن من قبل ذلك دلالة وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان غير مدفوع عند الموافق والمخالف عن الحصافة والمتانة وقوة العقل (٦) والرأي ومن كان بهذه المنزلة وكان مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه لم يعجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس: أن ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن ولن تستطيعوه. إن أتيتم به فانا كاذب وهو يعلم من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه وإن ذلك (٧) إن كان بطلت دعواه فهذا إلى أن نذكر ما بعده دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب أن ائتوا بمثله إن استطعتموه ولن تستطيعوه إلا وهو واثق متحقق أنهم لا يستطيعونه (٨) ولا يجوز أن يكون هذا اليقن وقع له إلا من قبل ربه الذي أوحى إليه به فوثق بخبره. وبالله التوفيق.

وأما ما (٩) بعد هذا فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: ائتوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين فطالت المهلة والنظرة لهم في ذلك وتواترت الوقائع والحروب بينه وبينهم فقتلت صناديدهم وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وانتهبت أموالهم، ولم يتعرض أحد لمعارضته فلو قدروا عليها لافتدوا بها أنفسهم وأولادهم وأهاليهم وأموالهم ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم إذ كانوا أهل لسان وفصاحة وشعر وخطابة، فلما لم


(١) في (ن) والمطبوعة "بنظم".
(٢) في الأصل "به".
(٣) سورة هود (١١/ ١٣).
(٤) سورة البقرة (٢/ ٢٣).
(٥) كذا في الأصل، و"دلائل النبوة". وفي (ن) والمطبوعة"فكان من الأمر ما يقصه".
(٦) في (ن) والمطبوعة "النقل".
(٧) في الأصل "وإن".
(٨) في (ن) والمطبوعة "لا يستطيعون".
(٩) في (ن) والمطبوعة "أما بعد هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>