للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أورَد قول ابن عباس - في بعض ما رُوي عنه -: إن الآية عَامَّة في الوَثَنِيَّات والْمَجُوسِيَّات والكِتَابِيَّات، وكُلّ مَنْ كَان على غَير الإسْلام حَرَام.

ورجّح ابن عطية النَّسْخ، فقال: فَعَلى هذا هي نَاسِخَة للآية التي في سُورة المائدة.

ورُوي عن عُمر أنه فَرَّق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كِتَابِيَّتَين، وقالا: نُطَلِّق يا أمير المؤمنين ولا تَغْضَب! فقال: لو جَاز طَلاقكما لَجَاز نِكَاحَكما، ولكن أُفَرِّق بينكما صُغْرة قمأة (١).

ثم عَقّب عليه بِقولِه: وهذا لا يَسْتَنِد جَيِّدًا، وأسْنَد مِنه أنَّ عُمَر أرَاد التَّفْرِيق بَينهما، فقال له حُذيفة: أتَزْعُم أنها حَرَام؟ فأُخْلِي سَبيلها يا أمير المؤمنين. فقال: لا أزْعُم أنَّها حَرَام، ولكني أخاف أن تَعَاطَوا المومِسَات مِنْهُنّ. ورُوي عن ابن عباس نحو هذا (٢).

أما الرازي فقال: واعْلَم أنَّ الْمُفَسِّرين اخْتَلَفُوا في أنّ هذه الآية ابْتِدَاء حُكْم وَشَرْع، أوْ هُو مُتَعَلِّق بِمَا تَقَدَّم؛ فالأكْثَرُون على أنه ابْتِدَاء شَرْع في بَيَان مَا يَحِلّ ويَحْرُم.

ثم قال: اخْتَلَفُوا في أنَّ لَفْظ الْمُشْرِك هل يَتَنَاول الكُفَّار مِنْ أهْل الكِتَاب؟ فأنْكَر بعضهم ذلك، والأكْثَرُون مِنْ العُلَمَاء على أنَّ لَفْظ الْمُشْرِك يَنْدَرِج فيه الكُفَّار مِنْ أهْل الكِتَاب، وهو الْمُخْتَار، ويَدُلّ عليه وُجُوه - ثم ذَكَرَها - (٣).

كما قال: واحْتَجّ مَنْ أبَاه بأنَّ الله تعالى فَصَل بين أهْل الكِتَاب وبين الْمُشْرِكِين في الذِّكْر (٤).


(١) قَمْأة وقَمَاءة وقُمْأة، بالضم والكسر: ذَلّ وصَغَّر، فهو قمئ (القاموس المحيط ص ٦٢).
(٢) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٢٩٦، ٢٩٧) وقول عمر: رواه سعيد بن منصور في سُننه (ح ٧١٦)، وابن أبي شيبة (ح ١٦١٦٣)، والبيهقي (ح ١٣٧٦٢)، وصححه الألباني في (الإرواء ٦/ ٣٠١).
(٣) يُنظر تفصيل ذلك في "التفسير الكبير" (٦/ ٤٨).
(٤) ليس هذا على إطلاقه، بل في المسألة تَفْصِيل في خِطَاب أهْل الكِتَاب في القُرآن. يُنظر لذلك: مجموع فتاوى ابن تيمية، مرجع سابق (١٦/ ٤٨٨ - ٥١٦)، و"مفتاح دار السعادة"، مرجع سابق (١/ ٣٥١ وما بعدها).

<<  <   >  >>