للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)؟ قُلت: تَتَفَاوَت الأحْوَال والْمَوَاطِن في ذلك اليَوم الْمُتَطَاوِل، فَيُقِرُّون في بَعْضِها ويَجْحَدُون في بَعْضِها، أو أُرِيد شَهَادَة أيْدِيهم وأرْجُلِهم وجُلُودِهم حين يُخْتَم على أفْوَاهِهم (١).

وقال في تَفْسِير قَوله تَعالى: (يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [المجادلة: ١٨]: وقَد اخْتَلَف العُلَمَاء في كَذِبِهم في الآخِرة، والقُرآن نَاطِق بِثَبَاتِه نُطْقًا مَكْشُوفًا، كَمَا تَرى في هذه الآية، وفي قوله تعالى: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: ٢٣، ٢٤] (٢).

وقال ابن عطية في تَفْسِير آية "النِّسَاء": قَالت طَائفَة: مَعْنَى الآية: أنَّ الكُفَّار لِمَا يَرَونَه مِنْ الْهَول وشِدَّة الْمَخَاوَف يَوَدُّون أن تُسَوَّى بِهم الأرْض، فلا يَنَالُهم ذَلك الْخَوف، ثم اسْتَأنَف الكَلام فأَخْبَر أنهم لا يَكْتُمُون حَدِيثًا لِنُطْقِ جَوَارِحِهم بِذلك كُلّه، حِين يَقول بَعضهم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، فَيَقُول الله: كَذَبْتُم، ثم يُنْطِق جَوَارِحَهم فَلا تَكْتُم حَدِيثًا؛ وهذا قَول ابن عباس، وقَال فِيه: إنَّ الله إذا جَمَعَ الأوَّلِين والآخِرِين ظَنَّ بَعْض الكُفَّار أنَّ الإنْكَار يُنْجِي، فَقَالُوا: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، فَيَقُول الله: كَذَبْتُم، ثم يُنْطِق جَوَارِحَم فلا تَكْتُم حَدِيثًا. وهَكذا فَتَحَ ابن عباس على سَائل أشْكَلَ عليه الأمْر وقَالَتْ طَائفَة مِثْل القَول الأوَّل، إلَّا أنها قَالَتْ: إنما اسْتَأنَفَ الكَلام بِقَولِه: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، لِيُخْبِر عَنْ أنَّ الكَتْم لا يَنْفَع وإنْ كَتَمُوا؛ لأنَّ الله تَعالى يَعْلَم جَمِيع أسْرَارَهم وأحَادِيثهم، فَمَعْنى ذَلك: ولَيس ذَلك الْمَقَام الْهَائل مَقَامًا يَنْفَع فِيه الكَتْم.


(١) الكشاف، مرجع سابق ص ٣٤٦).
(٢) المرجع السابق ص (١٠٩١).

<<  <   >  >>