للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنَّ مَنْ دَخَلَها للثَّواب لا يَخْرُج مِنها أبَدا، وآدَم لم يَدْخُلْها للثَّوَاب، ألَا تَرَى أنَّ رِضْوَان (١) خَازِن الْجَنَّة ثم يَخْرُج مِنها، وإبْليس أيضًا كان دَاخِل الْجَنَّة وأُخْرِج مِنها" (٢).

وقَالَت القَدَرِيَّة: إنَّ الْجَنَّة التي أَسْكَنَها الله آدَم وحَوَّاء لم تكُن جَنَّة الْخُلْد، وإنَّما كَان بُسْتَانا مِنْ بَسَاتِين الدُّنيا، واحْتَجُّوا بأنَّ الْجَنَّة لا يَكون فيها ابْتِلاء وتَكْلِيف (٣).

والْجَوَاب: إنا قَدْ أجْمَعْنَا على أنَّ أهْل الْجَنَّة مَأمُورُون فِيها بالْمَعْرِفة ومُكَلَّفُون بِذلك.

وجَوَاب آخَر: إنَّ الله تَعالى قَادِر على الْجَمْع بَيْن الأضْدَاد، فأَرَى آدَم الْمِحْنَة في الْجَنَّة، وأرَى إبْراهيم النِّعْمَة في النَّار؛ لئلا يَأمَن العَبْد رَبّه، ولا يَقْنَط مِنْ رَحْمَتِه، ولِيَعْلَم أنَّ له (٤) أن يَفْعَل مَا يَشَاء (٥).

ثم أوْرَد ما رُوي مِنْ دُخُول إبْليس في فَمِ الْحَيَّة (٦).

وأوْرَد الزمخشري الإشْكال - كَعَادَتِه - على صِيْغَة سُؤال، فَقَال: فإنْ قُلْتَ: كَيف تَوَصَّل إلى إزْلالِهما وَوَسْوَسَتِه لَهُمَا بَعْدَمَا قِيل لَه: (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [الحجر: ٣٤]، [ص: ٧٧]؟

قُلْتَ:

يَجُوز أن يُمْنَع دُخُولَها عَلى جِهَة التَّقْرِيب والتَّكْرِمَة كَدُخُول الْمَلائكَة، ولا يُمْنَع أن يَدْخُل على جِهَة الوَسْوَسَة ابْتِلاء لآدَم وحَوَّاء.


(١) تقدّم أنه لا يَصِح في تسميته حديث.
(٢) الكشف والبيان، مرجع سابق (١/ ١٨٢).
(٣) "وهذا القول هو نَصّ التوراة التي بأيدي أهل الكتاب". البداية والنهاية ابن كثير (١/ ١٧٦) وقد أحال مُحققو الكتاب على "سِفْر التكوين"، الإصحاح الثاني (٨ - ٢٢).
(٤) الضَّمير عائد على رب العزة سبحانه وتعالى.
(٥) الكشف والبيان، مرجع سابق (١/ ١٨٢).
(٦) المرجع السابق (١/ ١٨٣).

<<  <   >  >>