للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الْمَعْنَى صَحِيح، لِقَوْلِه تَعَالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء) [الشورى: ١١]؛ إلَّا أنَّ هذا مِنْ القرطبي ليس نَفْيًا صَرِيحًا للصِّفَة.

وقد قال فِي تفسير آيَة "البقرة": (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ): أي: يَنْتَقِم مِنهم ويُعَاقِبُهم، ويَسْخَر بِهم ويُجَازِيهم على اسْتِهْزَائهم؛ فَسَمَّى العُقُوبَة بِاسْم الذَّنْب. هذا قَوْل الْجُمْهُور مِنْ العُلَمَاء.

وقال: وليس مِنه سُبْحَانه مَكْر ولا هُزْء ولا كَيد، إنَّمَا هو جَزَاء لِمَكْرِهم واسْتِهْزَائهم، وجَزَاء كَيْدِهم (١).

وسَبَق أنَّ القرطبي أثْبَت صِفَة الْمَكْر، فَلعلَّه هنا أثْبَتَها بِقَيْد الْمُقَابَلَة.

لأنَّ مِنْ الأسْمَاء "مَا يَجُوز أن يُسَمَّى به ويُدْعَى، ومَا يَجُوز أن يُسَمَّى به ولا يُدْعَى، ومَا لا يَجُوز أن يُسَمَّى بِه ولا يُدْعَى" (٢).

وفي إثْبَات اليَد لله تَعالى ذَكَر القرطبي عِدَّة مَعَانٍ، مِنها:

"اليَد في كَلام العَرَب تَكُون للجَارِحَة، كَقَوْلِه تَعَالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا) [ص: ٤٤]، وهذا مُحَال على الله تَعالى"، "وتَكُون للنِّعْمَة".

"وتَكُون للقُوَّة. قَال الله عزّ وَجَلّ: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص: ١٧]، أي: ذَا القُوَّة"، "وتَكُون للمِلْك والقُدْرَة. قَال الله تَعالى: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) [آل عمران: ٧٣] "، "وتَكُون بِمَعْنَى الصِّلَة، قال الله تعالى: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) [يس: ٧١] أي: مِمَّا عَمِلْنَا نَحْن"، "وتَكُون بِمَعْنَى التَّأيِيد والنُّصْرَة" (٣).

ورُدَّ تأوِيل اليَد في قَوله تَعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) [المائدة: ٦٤] بأنَّ "نِعَم الله تَعالى أكْثَر مِنْ أن تُحْصَى، فَكَيف تَكُون: بَلْ نِعْمَتَاه مَبْسُوطَتَان".


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ٢٥٣).
(٢) المرجع السابق (٧/ ٢٨٨)، وقارِن بـ "فائدة جليلة في قواعِد الأسْمَاء الْحُسْنَى"، مُسْتَلّة من "بدائع الفوائد"، ابن القيم.
(٣) المرجع السابق (٦/ ٢٢٥). وانظر: (١٦/ ٢٧٥).

<<  <   >  >>