للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم دَافَع القرطبي عن هذا التَّأويل بِقوله:

وأُجيب بِأنه يَجُوز أن يَكُون هَذا تَثْنِيَة جِنْس لا تَثْنِيَة وَاحِد مُفْرَد … فَأحَد الْجِنْسَين نِعْمَة الدُّنيا، والثَّاني نِعْمَة الآخِرَة. وقِيل: نِعْمَتَا الدُّنيا: النِّعْمَة الظَّاهِرَة والنِّعْمَة البَاطِنَة.

وقال: ويَجُوز أن تَكُون اليَد في هَذه الآيَة بِمَعْنَى القُدْرَة، أي: قُدْرَتُه شَامِلَة، فإن شَاء وَسَّع، وإن شَاء قَتَّر (١).

فانْظُر كَيْف تَحَاشَى إثْبَات مَا أثْبَتَه اللهِ لِنَفْسِه مِنْ صِفَة اليَد، وأثْبَت لَه صِفَة "التَّقْتِير"، بِقَوْلِه: "وإن شَاء قَتَّر" (٢).

فـ "القرطبي قد تَابَع ابن عطية، فأوَّل هذه الصِّفَات - أعنِي: الوَجْه واليَدَين والأعْيُن - فَخَرَج بذلك عن مذهب السَّلَف" (٣).

وأمَّا تَأويل صِفَة العُلُو، فهو مِمَّا فُهِم مِنْ قَوْلِه، وصَرَّح به في مَوْضِع واحِد، وهو مع ذلك لا يَقُول بِما تَقُولُه "الْجَهْمِيَّة والقَدَرِيَّة والْمُعْتَزِلَة: هو بِكُلّ مَكَان" (٤).

فإنَّ القرطبي قَرَّر أنَّ "عُلُوّ الله تَعَالى وارْتِفَاعُه عِبَارَة عن عُلُو مَجْدِه وصِفَاتِه ومَلَكُوته، أي: ليس فَوْقَه فِيمَا يَجِب له مِنْ مَعَاني الْجَلال أحَد، ولا مَعَه مَنْ يَكون العُلُوّ مُشْتَرَكًا بَيْنَه وبَيْنَه، لكنه العَلِيّ بِالإطْلاق سُبحانه" (٥).

فالقرطبي يُثْبِت عُلُوّ الله بِذَاتِه؛ لأنه يَنْفِي وُجُودَه سُبْحَانه وتَعَالى في كُلّ مَكَان.

حيث قال بـ "إثْبَات ذَات غَير مُشَبَّهَة بِالذَّوَات، ولا مُعَطَّلَة عن الصِّفَات (٦).


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٦/ ٢٢٦).
(٢) ولا يُوصَف الله عزّ وَجَلّ إلَّا بِما وَصَف به نفسه، ولم يَرِد وَصْف التقتير في كِتاب ولا في سُنة.
(٣) المدرسة الأندلسيَّة في التفسير، مرجع سابق (٢/ ٦٤٠)، وانظر: "منهج الإمام القرطبي في أصول الدِّين".
مرجع سابق ص (١٠٣ وما بعدها).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٥/ ٣٦٠).
(٥) المرجع السابق (٧/ ١٩٧) بِتَصَرُّف يسير.
(٦) المرجع السابق (٧/ ٢٨٨).

<<  <   >  >>