للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلَّا في تفسير آيَة الكُرْسي، فإنه قال: والعَلِيّ يُرَاد بِه عُلُو القَدْر والْمَنْزِلَة لا عُلُوّ الْمَكَان؛ لأنَّ الله مُنَزَه عن التَّحَيُّز" (١).

وهذا هو الْمَوْطِن الوَحِيد الذي وَجَدْت فيه تَصْرِيح القرطبي بِنَفْي عُلُو الْمَكَان. ولَم أجِد له في نَفْي عُلُوّ الذَّات نَفْيًا ولا إثْبَاتًا.

وهذا يُؤكِّد ما تقدَّم مِنْ اضطرابه في بعض مسائل الاعتقاد.

ومِمَّا أَفَادَه القرطبي وأجَاد به:

الرَّدّ على الفِرَق الْمُخَالِفة:

اعْتَنَى القرطبي بِالرَّدّ على الفِرَق الْمُخالِفَة؛ كَالرَّافِضَة والصُّوفِيَّة والْمُعتَزِلة، والْجَهْمِيَّة، والُمُرْجِئة، والْخَوَارِج.

فقد جَاء ذِكْر الرَّافِضة في أحَد عَشَر مَوْضِعا من تفسير القرطبي، فقد رَدّ على الرافضة والصُّوفِيَّة في مسألة إثْبَات الوِلايَة والكَرَامة، إذ يَقُول: قال عُلَمَاؤنا رحمة الله عليهم: ومَن أظْهَر اللهُ تَعَالى على يَدَيْه مِمَّنْ لَيس بَنَبِيّ كَرَامَات وخَوَارِق للعَادَات فَلَيس ذَلك دَالًّا على وِلايَتِه، خِلافًا لِبعض الصُّوفِيَّة والرَّافِضَة حيث قَالُوا: إنَّ ذلك يَدُلّ على أنه وَلِيّ، إذ لَو لَم يَكُنْ وَلِيًّا مَا أظْهَر الله على يَديه مَا أظْهَر (٢).

وَرَدّ عليهم في مَسْألَة تَواتُر نَقْل القرآن، فقال: وقد طَعَن الرَّافِضة - قَبَّحَهُم الله تَعَالى - في القُرْآن، وقَالُوا: إنَّ الوَاحِد يَكْفِي في نَقْل الآيَة والْحَرْف .... (٣).

وفي مَسْألَة الإمَامَة رَدّ القرطبي على الرافضة، فقد أوْرَد حَدِيث "أمَا تَرْضَى أن تَكُون مِنِّي بِمَنْزِلَة هَارُون مِنْ مُوسَى، إلَّا أنه لا نَبِيَّ بَعْدِي" (٤)، ثم قال: فَاسْتَدَلَّ بِهَذا الرَّوَافِض والإمَامِيَّة (٥) وسَائر فِرَق الشِّيعة على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَف عَلِيًّا على جَمِيع الأمَّة حتى كَفَّر الصَّحَابَةَ الإمَامِيَّةُ - قبحهم الله - لأنَّهم عِندهم تَرَكُوا


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٣/ ٢٦٦).
(٢) المرجع السابق (١/ ٣٣٩).
(٣) المرجع السابق (١/ ٩١).
(٤) رواه البخاري (ح ٣٥٠٣)، ومسلم (ح ٢٤٠٤).
(٥) الإمامية فِرْقَة من فِرَق الرَّافِضَة، وهي تُسَمَّى "الجعفرية" و"الاثنا عشرية"، فإما أن تكون (واو) العطف - بين الروافض والإمامية - زائدة، وإما أنه مِنْ عَطْف الخاص على العام.

<<  <   >  >>