للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثَانِيهما: أنَّ ظَاهر قَوله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا) يُفِيد التَّوَجُّه إلى القِبْلَة في الصَّلاة، ولهذا لا يُعْقَل مِنْ قَوله: (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) إلَّا هَذا الْمَعْنَى.

إذا ثَبَتَ هذا فَنَقُول: القَائلُون بِهَذا القَوْل اخْتَلَفُوا على وُجُوه - ثم ذَكَر الرّازي لِهَذَا القَول سَبْعة وُجُوه -.

أمَّا الرَّاجِح عِنده فأبَانَ عنه بقَولِه: فإن قِيل: فأيّ هَذه الأقَاويل أقْرَب إلى الصَّوَاب؟ قُلْنَا: إنَّ قَوله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) مُشْعِر بالتَّخْيِير، لا يَثْبُتُ إلَّا في صُورَتَين:

أحَدهما: في التَّطَوُّع على الرَّاحِلَة.

وثَانِيهما: في السَّفر عِنْد تَعَذُّر الاجْتِهَاد للظُّلْمَة أوْ لِغَيرها؛ لأنَّ في هَذَين الوَجْهَين الْمُصَلِّي مُخَيَّر، فأمَّا على غَير هَذين الوَجْهَين فَلا تَخْيِير (١).

ثم نَاقَش الأقْوَال التي أوْرَدَها بَعْد تَرْجِيحِه لِهَذا القَول.

واعْتَبَر ابنُ كثير قَوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) تَسْلِيَة لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولأصْحَابه الذين أُخْرجُوا مِنْ مَكَّة، وفَارَقُوا مَسْجِدَهم ومُصَلّاهم.

ثم أوْرَد أسْبَاب النُّزُول التي قِيلَتْ في هذه الآيَة، ونَقَل عن ابن عباس قوله: قِبْلَة الله أينَمَا تَوَجَّهْتَ شَرْقًا أوْ غَرْبًا.

وعن مجاهدٍ قَوله: حَيْثُمَا كُنْتُم فَلَكُم قِبْلَة تَسْتَقْبِلُونها: الكَعْبَة (٢).

ونَقَل ما حَكاه ابن جرير في الْمَسْألَة. وقد تَقدَّم النَّقْل عن ابن جرير.


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (٤/ ١٧ - ١٩) باختصار.
(٢) قول مجاهد هذا رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (ح ٣٣٧٧).

<<  <   >  >>