للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُؤمِن يَوْم القِيَامَة، ولكِن الْمُؤمِن يُجْزَى بأحْسَن عَمَلِه، ويُتَجَاوز عن سَيِّئَاتِه، ثم قَرَأ: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ) [الزمر: ٣٥] الآيَة، وقَرأ أيضًا: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: ١٧].

قال الثعلبي: وقُلْتَ: لَولا السَّيِّئَة لأُتِي الْجَزَاء في الكُفَّار، لِقَولِه في سِيَاق الآيَة، (وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)، ومَن لَم يَكُنْ له في القِيَامة نَصِير ولا وَلِيّ كَان كَافِرًا، فإنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ضَمِن بِنُصْرَة الْمُؤمِنِين في الدَّارَين بِقَولِه: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) [غافر: ٥١] الآية. ولَكِن الْخِطَاب مَتَى وَرَدَ مُجْمَلًا وبَيَّن الرَّسُول ذلك على لِسَانِه ثم بَيَّن الله تَعالى فَضْل الْمُؤمِنِين على مُخَالِفِيهم، فَقَال: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: ١٢٤] (١).

وفي تَفْسِير قَوله تَعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) [البقرة: ٢٨٤] ذَكَر الثعلبي مَا ذَكَره ابن جرير من أقْوَال في الآيَة، ولم يُرجِّح شَيئًا (٢).

ويَرى ابن عطية أن قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) ابتداء، أي أنه لا تَعلّق له بما قَبْلَه.

قال ابن عطية: وجَاء هذا اللفْظ عَامًّا في كُلِّ سُوء، فانْدَرَج تَحْت عُمُومِه الفَرِيقَان الْمَذْكُورَان، واخْتَلَف الْمُتَأَوِّلُون في تَعْمِيم لَفْظ هَذا الْخَبَر.

ثم قَال بَعد أنْ حَكَى الْخِلاف والتَّخْصِيص: وقَال جُمْهُور النَّاس: لَفْظ الآيَة عَامّ، والكَافِر والْمُؤمِن مُجَازَى بالسُّوء يَعْمَله، فأمَّا مُجَازاة الكَافِر فَالنَّار، لأنَّ كُفْرَه أوْبَقَه، وأمَّا الْمُؤمِن فَبِنَكَبَات الدُّنيا … فَالعَقِيدَة في هَذا أنَّ الكَافِر مُجَازَى، والْمُؤمِن يُجَازَى


(١) الكشف والبيان، مرجع سابق (٣/ ٣٩٠، ٣٩١).
(٢) انظر: المرجع السابق، (٢/ ٢٩٩ وما بعدها).

<<  <   >  >>