للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الدُّنْيا غَالِبًا، فَمَنْ بَقِي له سُوء إلى الآخِرَة فَهو في الْمَشِيئَة، يَغْفِر الله لِمَنْ يَشَاء، ويُجَازِي مَنْ يَشَاء (١).

وفي تَفْسِير قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) قال: واخْتَلَف العُلَمَاء في هَذه الْمَسْألَة؛ فَجَمَاعةٌ مِنْ الفُقَهاء وأهل الحديث يَرون أنَّ الرَّجُل إذا اجْتَنَب الكَبَائر وامْتَثَل الفرائض كُفِّرَتْ صَغَائره، كالنَّظَر وشِبْهِه قَطْعًا بِظَاهِر هَذه الآيَة وظَاهِر الْحَدِيث (٢).

وأمَّا الزمخشري فَقَال في مَعْنَى قَوله تَعالى: (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ): نُمِيط مَا تَسْتَحِقُّونَه مِنْ العِقَاب في كُلّ وَقْت على صَغَائرِكُم ونَجْعَلها كَأن لم تَكُنْ لِزِيادَة الثَّوَاب الْمُسْتَحَق على اجْتِنَابِكُم الكَبَائر وصَبْرِكُم عنها عَلى عِقَاب السَّيئَات.

والكَبِيرَة والصَّغِيرَة إنّما وُصِفَتَا بالكِبَر والصِّغَر بإضَافَتِهما؛ إمَّا إلى طَاعَة، أوْ مَعْصِيَة، أوْ ثَوَاب فَاعِلِهما (٣).

والتَّكْفِير إمَاطَة الْمُسْتَحَق مِنْ العِقَاب بِثَوَاب أزْيَد أوْ بِتَوْبَة، والإحْبَاط (٤) نَقِيضُه، وهُو إمَاطَة الثَّوَاب الْمُسْتَحَقّ بِعِقَاب أزْيَد أوْ بِنَدَم عَلى الطَّاعَة (٥).


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ١١٦) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٢/ ٤٤).
(٣) نَسَب ابن عطية هَذا القَول إلى أئمة الكلام (المحرر الوجيز ٢/ ٤٤).
(٤) هذه مسألة مشهورة عن المعتزلة والخوارج. ينظر لذلك: منهاج السنة، ابن تيمية (٣/ ٣٩٦)، وقال في الفتاوى الكبرى (٢/ ٣٥٣): أما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات، ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة، ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة.
وفي طرح التثريب (٣/ ٨٧٧): المراد بتكفير الذنب ستره، ومحو أثره المترتب عليه من استحقاق العقوبة.
(٥) الكشاف، مرجع سابق ص (٢٣٤) وقد تعقبه ابن المنير عند تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: ٣٠].

<<  <   >  >>