للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَرَّر الرَّازي "أنَّ مُجَرَّد الاجْتِنَاب عن الكَبَائر لا يُوجِب دُخُول الْجَنَّة بل لا بُدّ مَعَه مِنْ الطَّاعَات؛ فَالتَّقْدير: إنْ أتَيْتُم بِجَمِيع الوَاجِبَات، واجْتَنَبْتُم عن جَمِيع الكَبَائر كَفَّرْنا عَنْكم بَقِيَّة السَّيئَات، وأدْخَلْنَاكُم الْجَنَّة، فَهذا أحَد مَا يُوجِب الدُّخُول في الْجَنَّة (١)، ومِن الْمَعْلُوم أنَّ عَدَم السَّبَب الوَاحِد لا يُوجِب عَدَم الْمُسَبِّب، بَلْ هَهنا سَبَب آخَر هو السَّبَب الأصْلي القَوي، وهو فَضل الله وكَرَمه ورَحْمَته، كَمَا قَال: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس: ٥٨] والله أعلم" (٢).

واقْتَصر ابن جُزي على قَوله في الآيَة الأُولى: وَعْدٌ بِغُفْران الذُّنُوب الصَّغَائر إذا اجْتُنِبَتْ الكَبَائر (٣).

وفي الثانية على قَولِه: وَعِيد حَتْمٍ في الكُفَّار، ومُقَيَّد بِمَشِيئة الله في الْمُسْلِمِين (٤).


(١) من المتقرر عند أهل السنة أن دخول الجنة ابتداء إنما هو بفضل الله ورحمته.
قال تعالى: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: ٤٣].
قال القرطبي (الجامع ٧/ ١٨٦): أي: ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله.
وقال ابن كثير في تفسيره (٦/ ٣٠٣): أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم، وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: واعلموا أن أحدكم لن يدخل عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضل.
وقال (١٢/ ٣٢٧) في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف: ٧٢]: أي: أعمالكم الصالحة كانت سببًا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدًا عمله الجنة، ولكن بفضل من الله ورحمته، وإنما الدرجات تفاوتها بحسب عمل الصالحات.
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٠/ ٦٤).
(٣) التسهيل، مرجع سابق (١/ ١٣٩).
(٤) المرجع السابق (١/ ١٥٨).

<<  <   >  >>