للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشَار ابن عطية إلى دَلالة آيَة "يُونس" بِقَوله: أي: فَهُمْ لا يَقْدِرُون على شَيء، ولا يُؤذُونه (١) إلَّا بِمَا شَاء الله، وهو القَادِر على عِقَابِهم لا يُعَازُّه شَيء؛ فَفِي الآية وَعِيد لَهُمْ (٢).

وأجْرَى كَون آيَة "الْمُنَافِقُون" في الوَعِيد أيضًا، فَقَال: أعْلَمَ تعالى أنَّ الْعِزَّة لله وللرَّسُول وللمُؤمِنين، وفي ذلك وَعِيد (٣).

ويَرى أنَّ آيَة "فاطر" تَحْتَمِل ثَلاثة أوْجُه، فقال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) يَحْتَمِل ثَلاثة مَعَان:

أحَدُها: أن يُرِيد (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) بِمُغَالَبَة (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) أي: لَيْسَتْ لِغَيْرِه، ولا تَتِمّ إلَّا لَه، وهَذا الْمُغَالِب مَغْلُوب، ونَحَا إليه مُجاهد، وقال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) بِعِبَادَة الأوْثَان.

ثم قال ابن عطية: وهذا تَمَسّك بِقَوله تَعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [مريم: ٨١].

والْمَعْنَى الثَّانِي: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) وطَرِيقها القَوِيم ويُحِبّ نَيْلَها على وَجْهِها (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ)، أي: بِهِ، وعَن أوَامِرِه، لا تُنَال عِزَّته إلَّا بِطَاعَتِه، ونَحَا إليه قَتادة.

والْمَعْنَى الثَّالِث - وقَالَه الفرّاء -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ) عِلْم العِزَّة (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ)، أي: هُو الْمُتَّصِف بِهَا.

ونَقَل الرازي عن الواحِدي قَوله: أصْل العِزَّة في اللغَة الشِّدَّة، ومِنه قِيل للأرض الصُّلْبَة الشَّدِيدَة: عَزَاز. ويُقَال: قد اسْتَعَزّ الْمَرَض على الْمَرِيض إذا اشْتَدَّ مَرَضه وكَاد


(١) أي: النبي صلى الله عليه وسلم.
(٢) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٤/ ٤٣١).
(٣) المرجع السابق (٥/ ٣١٥).

<<  <   >  >>