للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يَهْلِك، وعَزّ الْهَمّ: اشْتَدّ، ومنه عَزّ عَليّ أن يَكُون كَذا، بِمعنى اشْتَدّ، وعَزَّ الشَّيء إذا قَلّ حَتى لا يَكاد يُوجَد، لأنه اشْتَدَّ مَطْلَبه، واعْتَزَّ فُلان بِفُلان إذا اشْتَد ظَهْرَه بِه .... ، والعِزَّة القُوَّة، منقولة مِنْ الشِّدّة لِتَقَارُب مَعْنَيَيْهِمَا. والعَزِيز القَوي الْمَنِيع، بِخِلاف الذَّلِيل.

ثم قال الرازي: إذا عَرَفْتَ هذا فَنَقُول: إن المنافقين كانوا يَطلبون العِزّة والقُوَّة بِسَبَب اتِّصَالِهم بِاليَهُود، ثم إنه تعالى أبْطَل عليهم هذا الرَّأي بقَوله: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).

ثم أوْرَد الرازي إشْكَالًا قد يُتوهَّم بَيْن هَذه الآية وبَيْن آيَة "الْمُنَافِقُون" فقال: فإن قيل: هذا كَالْمُنَاقِض لِقَوله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقين: ٨].

قُلنا: القُدْرة الكَامِلَة لله، وكُلّ مَنْ سِواه فبإقْدَارِه صَار قَادِرًا، وبِإعْزَازِه صَار عَزيزًا؛ فالعِزَّة الْحَاصِلة للرَّسول عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين لم تَحْصُل إلَّا مِنْ الله تعالى، فَكَان الأمْر عند التَّحْقِيق أنَّ العِزَّة جَمِيعًا لله (١).

وللرَّازي أبْحَاث في آيَة "يونس"، منها:

فَائِدة: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) في هذا الْمَقَام أمُور:

الأوَّل: الْمُرَاد مِنه أنَّ جَمِيع العِزَّة والقُدْرَة هي لله تعالى يُعْطِي مَا يَشَاء لِعِبَادِه، والغَرَض مِنه أنه لا يُعْطِي الكُفّار قُدْرَة عَليه (٢)، بل يُعْطِيه القُدْرَة عَليهم حتى يَكُون هو بذلك أعَزّ مِنهم، فآمَنه الله تعالى بِهَذا القَول مِنْ إضْرَار الكُفَّار به بِالقَتْل والإيذَاء، ومَثله قَوله تَعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة: ٢١]، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا) [غافر: ٥١].

الثاني: قال الأصَم: الْمُرَاد أنَّ الْمُشْرِكِين يَتَعَزَّزُون بِكَثْرة خَدَمِهم وأمْوَالهم ويُخَوّفُونك بِها، وتِلك الأشْياء كُلّها لله تَعالى، فَهو القَادِر على أن يَسْلُب مِنهم كُلّ تلك الأشْياء، وأن يَنْصُرك، ويَنْقُل أمْوَالهم ودِيارَهم إليك.


(١) انظر: التفسير الكبير، مرجع سابق (١١/ ٦٤).
(٢) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>