للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكَرّر الرازي إيراد الإشْكَال بِعِبارَة أُخْرَى، فَقال: إنْ قيل: قوله: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) كالْمُضَادَّة لِقوله تَعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: ٨].

قلنا: لا مُضَادَّة، لأنَّ عِزَّة الرَّسول والْمُؤمِنين كُلّها بِالله، فهي لله (١).

وبَيَّن في آيَة "فاطر" أن تَعزُّز الْمُشْرِكِين كان مِمَّا يَمنعُهم مِنْ دُخُول الإسْلام حَيث إنهم مَا كَانوا في طَاعَة أحَد، ولم يَكُنْ لهم من يَأمُرُهم ويَنْهَاهم فَقال: إنْ كُنْتُم تَطْلُبُون بِهَذا الكُفْر العِزَّة في الْحَقِيقَة، فَهي كُلّها لله، ومَن يَتَذَلل له فَهو العَزِيز، ومَن يَتَعَزَّز عليه فهو الذَّلِيل.

ثم أجاب عن الإشْكَال أيضًا بِعِبَارَة ثَالثة قَال فيها:

قَوله: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) أي في الْحَقيقَة وبالذَّات، وقَوله: (وَلِرَسُولِهِ) أي: بوَاسِطَة القُرْب مِنْ العَزِيز، وهو الله، (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بِواسِطَة قُرْبِهم مِنْ العَزِيز بِالله، وهو الرَّسُول؛ وذلك لأنَّ عِزَّة الْمُؤمِنِين بِوَاسِطَة النبي صلى الله عليه وسلم. ألا تَرى قَوله تَعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران: ٣١]؟ (٢)

ونَقَل في آيَة "الْمُنَافِقُون" مَا قَاله الزمخشري مِنْ قَبْل، ثم بَيَّن الفَرْق بَيْن العِزَّة والْكِبْر (٣).

وتَحْتَمِل آية "فاطر" ثلاثة أوْجُه عند ابن جزي، حيث قال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) الآية. تَحْتَمِل ثَلاثَة مَعَانٍ:

أحَدها - وهو الأظْهر -: مَنْ كَان يُرِيد نَيل العِزَّة فلْيَطْلُبْها مِنْ عِند الله، فإنَّ العِزَّة كُلّها لله.


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٧/ ١٠٥) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٢٦/ ٨) باختصار.
(٣) انظر: المرجع السابق (٣٠/ ١٦، ١٧).

<<  <   >  >>