للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: مِنْ هَول ذلك اليَوم يَفْزَعُون ويَذْهَلُون عن الْجَواب، ثم يُجِيبُون بَعْد مَا تَثُوب إليهم عُقُولُهم بِالشَّهَادة على أُمَمِهم.

وقيل: مَعْنَاه عِلْمُنا سَاقِط مع عِلْمك ومَغْمُور بِه، لأنك عَلَّام الغُيُوب.

ومَن عَلِمَ الْخَفِيَّات لَم تَخْفَ عليه الظَّوَاهِر التي مِنْها إجَابَة الأُمَم لِرُسُلِهم، فَكَأنَّه لا عِلْم لَنَا إلى جَنْب عِلْمِك.

وقيل: لا عِلْم لَنَا بِمَا كَان منهم بَعْدَنا، وإنّما الْحُكْم للخَاتِمَة.

وكيف يَخْفى عَليهم أمْرهم وقَد رَأوهم سُود الوُجُوه زُرْق العُيون مُوَبَّخِين؟

وقُرئ (علامَ الغيوب) بالنَّصْب على أنَّ الكَلام قَدْ تَمّ بِقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ). أي: إنك الْمَوْصُوف بأوصَافِك الْمَعْرُوفَة مِنْ العِلْم وغيره، ثم نَصَب (عَلامَ الغُيوب) على الاخْتِصَاص، أوْ على النِّدَاء، أوْ هُو صِفَة لاسْمِ إنَّ (١).

وذَكَر ابن عطية الْخِلاف في آية "المائدة"، وضَعَّف كَون الأنْبياء يَذْهَلُون، فَقَال: واخْتَلَف النَّاس في مَعْنَى قَولهم عليهم السلام: (لَا عِلْمَ لَنَا)؛ فَقَال الطبري: ذُهِلُوا عَنْ الْجَوَاب لِهَول الْمَطْلَع. ثم ذَكَر ما ذَكَره ابن جرير، ثم قال:

وضَعَّف بَعض النَّاس هذا الْمَنْزَع بِقَوله تَعالى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ) [الأنبياء: ١٠٣]، والأنْبياء في أشَدّ أهْوَال يَوْم القِيَامَة وحَالَة جَوَاز الصِّرَاط يَقُولُون: سَلِّم سَلِّم (٢).

وحَالهم أعْظم، وفَضْل الله عَليهم أكْثر مِنْ أن تَذْهَل عُقُولهم حتى يَقُولُوا مَا لَيس بِحَقّ في نَفْسِه.

وقال ابن عباس رضي الله عنه: مَعْنى الآية: لا عِلْم لَنا إلَّا عِلْمًا أنْت أعْلَم بِه مِنَّا.


(١) وقال ابن رجب (كلمة الإخلاص - ص ٢٤): ورد إطلاق الشرك على الرياء وعلى الحلف بغير الله وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه. وينظر: تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله (ص ٤٣٩)، وفتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (١/ ١٧٠).
() الكشاف، مرجع سابق (ص ٣١٤).
(٢) كما في حديث أبي هريرة: رواه البخاري (ح ٧٧٣)، ومسلم (ح ١٨٢).

<<  <   >  >>