للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عطية: وهذا حَسَن، كَأن الْمَعْنَى: لا عِلْم لَنا يَكْفِي ويَنْتَهي إلى الغَايَة.

وقال ابن جُريج: معنى (مَاذَا أُجِبْتُمْ): ماذا عَمِلُوا بَعدكم، وما أحْدَثُوا؟ فلذلك قالوا: (لَا عِلْمَ لَنَا).

قال القاضي أبو محمد: وهذا مَعْنى حَسَن في نَفْسِه، ويُؤيِّدُه قَوله تَعالى: (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، لَكن لَفظة (أُجِبْتُمْ) لا تُسَاعِد قَول ابن جريج إلَّا على كُرْه! وقَول ابن عباس أصْوَب هذه الْمَنَاحِي، لأنه يَتَخَرَّج على التَّسْلِيم لله تَعالى، ورَدّ الأمْر إليه، إذْ قَوله: (مَاذَا أُجِبْتُمْ) لا عِلْم عِنْدَهم في جَوابِه إلَّا بِمَا شُوفِهُوا به مُدَّة حَيَاتِهم، ويَنْقُصُهم ما في قُلُوب الْمُشَافِهِين مِنْ نِفاق ونحوه، وما يَنْقُصُهم مَا كان بَعدهم مِنْ أُمَّتهم، والله تعالى يَعْلَم جميع ذلك على التَّفْصِيل والكَمَال، فَرَأوا التَّسْلِيم لَه والْخُضُوع لِعِلْمِه الْمُحِيط (١).

وقَرَّر ابن عطية في آية "النساء" أنَّ مَعْنَى الآية: أنَّ الله يأتي بالأنْبياء شُهَداء على أُمَمِهم بالتَّصْدِيق والتَّكْذِيب. ومَعْنَى الأُمَّة في هَذه الآية .... جَمِيع مَنْ بُعِث إليه مَنْ آمَن مِنهم ومَن كَفَر (٢).

وأنَّ آية "النحل" مُتَضَمِّنَة للوَعِيد، حيث قال: قَوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ) الآيَة، هَذه الآية في ضِمْنِها وَعِيد، والْمَعْنَى: واذْكُر يَوْم نَبْعَث في كُلّ أمَّة شَهِيدًا عَليها، وهو رَسُولُها الذي شَاهَد في الدُّنيا تَكْذِيبَها وكُفْرَها، وإيمَانَها وهُدَاها، ويَجوز أن يَبْعَثَ الله شَهِيدًا مِنْ الصَّالِحِين مَع الرُّسُل، وقد قَال بَعض الصَّحَابة: إذا رَأيتَ أحَدًا على مَعْصِية فانْهَه، فإن أطَاعَك وإلَّا كُنْتَ شَهِيدًا عَليه يَوْم القِيَامَة (٣).


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ٢٥٦، ٢٥٧).
(٢) المرجع السابق (٢/ ٥٥) باختصار.
(٣) المرجع السابق (٣/ ٤١٥).

<<  <   >  >>