للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوْرَد في تَفْسِير آية "هُود" الْمَعْنَى الْمُرَاد مِنْ دَوَام السَّمَاوَات والأرْض، ثم أوْرَد سُؤالًا قَال فِيه: فإن قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في قَولِهِ: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، وقَد ثَبَت خُلُود أهْل الْجَنَّة والنَّار في الأبَد مِنْ غَيْر اسْتِثْنَاء؟

قُلْتُ: هو اسْتِثْنَاء مِنْ الْخُلُود في عَذَاب النَّار، ومِن الْخُلُود في نَعِيم الْجَنَّة؛ وذَلك أنَّ أهْل النَّار لا يَخْلُدُون في عَذَاب النَّار وَحْدَه بَلْ يُعَذَّبُون بِالزَّمْهَرِير وبِأنْوَاع مِنْ العَذَاب سِوى عَذَاب النَّار، وبِمَا هُو أغْلَظ مِنْها كُلّها، وهو سَخَط الله عَليهم، وخَسْؤه لَهم (١)، وإهَانَته إيَّاهم، وكَذَلك أهْل الْجَنَّة لَهُمْ سِوى الْجَنَّة مَا هو أكْبَر مِنْها وأجَلّ مَوقِعًا مِنهم؛ وهو رِضْوان الله (٢).

ولم يَتَطَرَّق في تَفْسِير آيَة "الأحْزَاب" إلى مَعْنَى الْخُلُود الأبَدِيّ، وكَذَلك في آيَة "الْجِنّ".

ويَتَّجِه الاسْتِثْنَاء في آيَة "الأنعام" عند ابن عطية "أن يَكُون مُخَاطَبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه، ولَيس مِمَا يُقَال يَوْم القِيَامَة، والْمُسْتَثْنَى هو مَنْ كَان مِنْ الكَفَرة يَومَئذ يُؤمِن في عِلْم الله، كَأنَّه لَمَّا أخْبَرَهم أنَّه قَال للكُفَّار: (النَّارُ مَثْوَاكُمْ) اسْتَثْنَى لَهم مَنْ يُمْكِن أن يُؤمِن مِمَّنْ يَرَونَه يَومَئذ كَافِرًا، وتَقَع (مَا) على صِفَة مَنْ يَعْقِل، ويُؤيِّد هَذا التَّأويل اتِّصَال قَوله: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي: بِمَنْ يُمْكِن أن يُؤمِن مِنهم" (٣).


(١) أي قوله تعالى: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونَ) [المؤمنون: ١٠٨].
(٢) الكشاف، مرجع سابق ص (٤٩٨، ٤٩٩)، وقوله الأخير متعقب بأن رؤية الله أعظم من نعيم الجنة.
قال عليه الصلاة والسلام: إذا دَخَل أهلْ الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تُريدون شيئًا أزِيدُكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. رواه مسلم (ح ١٨١).
(٣) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>