للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا قَوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) فَقِيل فِيه: إنَّ ذلك على طَرِيق الاسْتِثْنَاء الذي نَدَب الشَّرع إلى اسْتِعْمَالِه في كُلّ كَلام.

وقِيل: هو اسْتِثْنَاء مِنْ طُول الْمُدَّة، وذلك على ما رُوي مِنْ أنّ جَهنم تَخْرَب، ويُعْدم أهلها، وتُغْلَق أبوابها، فهم على هذا يَخْلُدُون حتى يَصِير أمْرهم إلى هذا.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قَول مُخْتَلّ، والذي رَوي ونُقِل عن ابن مسعود وغيره إنَّمَا هو الدَّرْك الأعْلى الْمُخْتَصّ بِعُصَاة المؤمنين، وهو الذي يُسَمَّى جَهَنَّم، وسَمَّى الكُلّ بِه تَجَوّزًا (١).

وقِيل: إنَّمَا اسْتَثْنَى مَا يَلْطُف الله تَعالى بِه للعُصَاة مِنْ الْمُؤمِنِين في إخْرَاجِهم بَعْد مُدَّة مِنْ النَّار.

وقِيل: (إِلَّا) بِمَعْنَى الوَاو، فَمَعْنَى الآية: ومَا شَاء الله زَائدًا عَلى ذَلك.

وقِيل: (إِلَّا) في هَذه الآيَة بِمَعْنى سِوَى، والاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع … ويُؤيِّد هَذا التَّأويل قَوله بَعْد: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).

وقِيل: سِوَى مَا أعَدَّه لَهم مِنْ أنْوَاع العَذَاب مِمَّا لا يُعْرَف، كَالزَّمْهَرِير ونحوه.


(١) هذا هو الأدب في الجواب، لا كما شنع الزمخشري على أهل السنة، وطعن في قائله من الصحابة.
وينظر لهذا المسألة: "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" تأليف الصنعاني، تحقيق الألباني.
تنبيه: نُسِب القَول بفناء النار إلى ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد غلط من نسب ذلك إليهما، فابن تيمية له قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، وابن القيم صرح بعدم فناء النار، إذ يقول في "الوابل الصيب" (ص ٣٤): ولَمّا كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب: دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض.
وينظر لذلك: "يقظة أولي الاعتبار"، صديق نب حسن خان (ص ٤٤)، ورسالة "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار"، علي الحربي، و"دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة"، صلاح الدين مقبول أحمد (ص ٢٤٦ وما بعدها).

<<  <   >  >>