للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: اسْتِثْنَاء مِنْ مُدَّة السَّمَاوَات، الْمُدَّة التي فَرَطَتْ لهم في الْحَيَاة الدُّنيا.

وقِيل: في البَرْزَخ بَيْن الدُّنيا والآخِرَة.

وقِيل: في الْمَسَافَات التي بَيْنَهم في دُخُول النَّار، إذْ دُخُولهم إنَّمَا هو زُمَرًا بَعْد زُمْر.

وقِيل: الاسْتِثْنَاء مِنْ قَوله: (فَفِي النَّارِ)، كأنه قال: إلَّا مَا شَاء رَبُّك مِنْ تَأخِيرٍ عن ذلك. وهذا قول رواه أبو نَضْرة عن جَابر، أوْ عن أبي سَعيد الخدري (١).

وفي تَفْسِير آيَة "الْجِنّ" اسْتَدَلّ ابنُ عَطية على كَوْنِها في حَقّ الكُفَّار بِمَا فِيها مِنْ التَّأبِيد، حَيث قَال: وقَوله تَعَالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ) يُرِيد الكُفْر، بِدَلِيل الْخُلُود الْمَذْكُور (٢).

وحَكَى الرَّازي وُجُوهًا في الاسْتِثْنَاء، مِنها:

الأوَّل: أنَّ الْمُرَاد مِنه اسْتِثْنَاء أوْقَات الْمُحَاسَبَة، لأنَّ في تلك الأحْوَال لَيْسُوا بِخَالِدِين في النَّار.

الثَّاني: الْمُرَاد الأوْقَات التي يُنْقَلُون فِيها مِنْ عَذَاب النَّار إلى عَذَاب الزَّمْهَرِير.

الثَّالث: قَول ابن عباس: اسْتَثْنَى الله تَعالى قَوْمًا سَبَق في عِلْمِه أنَّهم يُسْلِمُون ويُصَدِّقُون النبي صلى الله عليه وسلم.

الرَّابع: إلَّا مَا شَاء الله مِنْ مِقْدَار حَشْرِهم مِنْ قُبُورِهم ومِقْدَار مُدَّتهم في مُحَاسَبَتهم.

الْخَامس: قَول أبي مُسلم: الاسْتِثْنَاء غَيْر رَاجِع إلى الْخُلُود، وإنَّمَا هو رَاجِع إلى الأجَل الْمُؤجَّل لَهم. فَتَلْخِيص الكَلام أن يَقُولُوا: اسْتَمْتَع بَعضُنا بِبَعض، وبَلَغْنا مَا سَمَّيْتَ لَنا مِنْ الأجْل إلَّا مَنْ شِئتَ أنْ تَخْتَرِمَه فاخْتَرَمْتَه قَبْل ذلك بِكُفْرِه وضَلالِه.

واعْتَبَرَ الرَّازي هَذا القَول مُتَكَلَّفًا، حَيث قَال: واعْلَم أنَّ هَذا الوَجْه وإن كان مُحْتَمِلًا إلَّا أنَّه تُرِك لِظَاهِر تَرْتِيب ألْفَاظ هَذه الآيَة، ولَمَّا أمْكَن إجْرَاء الآيَة على ظَاهِرِها فلا حَاجَة إلى هَذا التَّكَلُّف.


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٣/ ٢٠٨، ٢٠٩) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٥/ ٣٨٥)، ولم يذكر ذلك في آية "الأحزاب"، ربما لصراحة الآيَة في الكُفَّار.

<<  <   >  >>