للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قَال: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي: فِيمَا يَفْعَله مِنْ ثَوَاب وعِقَاب، وسَائر وُجُوه الْمُجَازَاة، وكأنه تعالى يَقُول: إنما حَكَمْتُ لِهَؤلاء الكُفَّار بِعَذَابِ الأبَد لِعِلْمِي أنَّهم يَسْتَحِقُّون ذلك. والله أعلم (١).

كَما ذَكَر وُجُوهًا في آيَة "هود" ورَجَّح أنَّ الْجَوَاب الْحَقَّ في هَذا البَاب شَيء آخَر، وهو أنَّ الْمَعْهُود مِنْ الآيَة أنَّه مَتَى كَانَتْ السَّمَاوَات والأرْض دَائمَتَين كَان كَوْنُهم في النَّار بَاقِيا، فَهَذا يَقْتَضِي أنَّ كُلَّما حَصَل الشَّرْط حَصَل الْمَشْرُوط، ولا يَقْتَضِي أنه إذا عُدِم الشَّرْط يُعْدَم الْمَشْرُوط.

وبَيَّن أنَّ هَذه الآيَة لا تَدُلّ على انْقِطَاع وَعِيد الكُفَّار.

و"أمَّا حَمْل كَلِمَة (إِلَّا) على سِوى فَهو عُدُول عن الظَّاهِر، وأمَّا حَمْل الاسْتِثْنَاء على حَال عُمْر الدُّنيا والبَرْزَخ والْمَوْقِف فَبَعِيد أيضًا؛ لأنَّ الاسْتِثْنَاء وَقَع عن الْخُلُود في النَّار، ومِن الْمَعْلُوم أنَّ الْخُلُود في النَّار كَيْفِيَّة مِنْ كَيْفِيَّات الْحُصُول في النَّار، فَقَبْل الْحُصُول في النَّار امْتَنَع حُصُول الْخُلُود في النَّار، وإذا لم يَحْصُل الْخُلُود لَم يَحْصُل الْمُسْتَثْنَى مِنْه، وامْتَنَع حُصُول الاسْتِثْنَاء" (٢).

ونَقَل ابن كثير مَا قَالَه ابن جرير مِمَّا اعْتَادَتْه العَرَب في خِطَابِها، مِنْ إطْلاق وَصْف الشَّيء بِالدَّوَام كَدَوَام السَّمَاوَات والأرْض.

وأوْرَد احْتِمَال "أنَّ الْمُرَاد بِمَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض الْجِنْس؛ لأنَّه لا بُدّ في عَالَم الآخِرَة مِنْ سَمَاوَات وأرْض".

ثم أشَار إلى أنَّ ابن الجوزي (٣) حَكَى كَثِيرًا مِنْ تِلك الأقْوَال في مَعْنَى الاسْتِثْنَاء، كَمَا أشَار إلى حِكَاية ابن جرير لَهَا، واخْتِيَارُه "أنَّ الاسْتِثْنَاء عَائد على العُصَاة مِنْ أهْل التَّوحِيد مِمَّنْ يُخْرِجُهم الله مِنْ النَّار بِشَفَاعَة الشَّافِعِين مِنْ الْمَلائكَة والنَّبِيِّين والْمُؤمِنِين،


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٣/ ١٥٧، ١٥٨) بتصرف.
(٢) المرجع السابق (١٨/ ٥٢ - ٥٤) باختصار.
(٣) ينظر: زاد المسير في علم التفسير، مرجع سابق (٤/ ١٢٣، ١٢٤) فقد ذكر سبعة أقوال في معنى الاستثناء وسبقه الثعلبي فقد حكى عشرة أقوال. سبق ذكرها.

<<  <   >  >>