للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَهذا السُّؤَال عن الذُّنُوب سُؤَال يَتْبَعه مَغْفِرة، وهَذا السُّؤَال والْحَال مَنْفِيّ عن الكُفَّار وعن الْمُجْرِمِين.

وهذا مُحْتَمَل أنَّه سُؤَال عَرْض، وهو الْمُرَاد بِقولِه تَعالى: (فَسَوْفَ يُحَاسِبُ حِسَابًا يَسِيرًا) [الانشقاق: ٨]، وقد سُئل عنه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّمَا ذَلِك العَرْض، ولكِن مَنْ نُوقِش الْحِسَاب يَهْلك (١).

ورَجَّح الشنقيطي "أنَّ السُّؤَال قِسْمَان: سُؤَال تَوْبِيخ وتَقْرِيع، وأداته غالبًا (لِمَ)، وسؤال اسْتِخْبَار واسْتِعْلام، وأدَاته غَالِبًا (هَلْ)؛ فَالْمُثْبَت هو سُؤال التوبيخ والتَّقْرِيع، والْمَنْفِي هو سؤال الاسْتِخْبَار والاسْتِعلام" (٢).

ومَا عَدَا هَذِه الوُجُوه الثَّلاثَة رَاجِع إليها.

وأمَّا تَخْصِيص السُّؤَال بِالتَّوْحِيد دُون مَا عَدَاه فهو مُتَعَقِّب بِالسُّؤَال عن غَيْره مِنْ الأعْمَال، إلَّا أن يُرَاد أنَّ التَّوْحِيد أصْل الأُصُول، أو أنَّه القَدْر الْمُتَّفَق عليه.

قال النووي: في الآيَة وَجْه آخَر - وهو الْمُخْتَار - والْمَعْنَى: لَنَسْألَنَّهم عن أعْمَالِهم كُلّها التي يَتَعَلَّق بِها التَّكْلِيف، وقَوْل مَنْ خَصّ بِلَفْظ التَّوْحِيد دَعْوى تَخْصِيص بِلا دَلِيل، فلا تُقْبَل. ثم رَوى حَدِيث التِّرْمِذي (٣) وضَعَّفَه (٤).

وقَال بَعْضُهم: لِتَخْصِيصِهم وَجْه مِنْ جِهَة التَّعْمِيم في قَولِه: (أَجْمَعِينَ)، فَيَدْخُل فيه الْمُسْلِم والكَافِر، فإنَّ الكَافِر مُخَاطَب بِالتَّوْحِيد بِلا خِلاف، بِخِلاف بَاقِي الأعْمَال


(١) رواه البخاري ومسلم. وسبق تخريجه.
(٢) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق ص (٩٢).
(٣) قال العيني في العمدة (١/ ١٨٥): وأخرج الترمذي مرفوعًا عن أنس: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) قال: عن لا إله إلا الله، وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف لا يحتج به. اهـ.
ورواه ابن جرير (١٤/ ١٣٩، ١٤٠) من طريق ليث أيضًا؛ رواه مرة مرفوعًا وأخرى موقوفًا، وثالثة مقطوعًا.
(٤) نقله العيني في "عمدة القاري" (١/ ١٨٥).

<<  <   >  >>